من عرض “غاتسبي العظيم” في كولوسيوم لندن، 16 إبريل 2025 (Getty)
إذا كانت عشرينيات القرن الماضي نموذجاً لمقولة “الزمن الجميل” الأميركي، أو بالأدقّ “العشرينيات الهادرة” (Roaring Twenties)، فإن رواية فرانسيس سكوت فيتزجيرالد “غاتسبي العظيم”، والتي يُصادف هذا العام مئوية نشرها، تُمثّل التوثيق الأدبي الأبرز لتلك الحقبة، إذ صوّرت الرواية “عصر الجاز”، وهي الفترة التي شهدت رخاءً اقتصادياً وانفتاحاً ثقافياً بعد الحرب العالمية الأولى، مع تغيّر الأدوار الاجتماعية للنساء، وانتشار التكنولوجيا الحديثة وموسيقى الجاز، وبكل هذا أصبحت مرآة كاشفة لـ”الحلم الأميركي” في مدينة مثل نيويورك.
وفي هذا السياق، تشهد الولايات المتحدة فعاليات ثقافية متنوّعة احتفاءً بالذكرى المئوية الأولى لصدور رواية “غاتسبي العظيم”. ففي واشنطن، افتَتحت، (أمس الأربعاء)، “مكتبة الكونغرس” معرضاً بعنوان “The Great Gatsby Turns 100″، يضم نسخاً نادرة من الرواية ورسومات وصوراً فوتوغرافية من عشرينيات القرن الماضي، إضافةً إلى مواد توثق حياة الكاتب. ونظّمت المكتبة، في وقت سابق، قراءة عامة للرواية شارك فيها ثلاثون متطوعاً قرأوا النص كاملاً أمام الجمهور.
كذلك يفتتح “معهد مينابوليس للفنون”، في سبتمبر/أيلول المقبل، معرض “غاتسبي في المئة”، الذي يسلّط الضوء على التفاعل بين الرواية والفنون البصرية من خلال أعمال فنية تعكس التحوّلات الاجتماعية والعِرقية التي شكّلت ملامح تلك المرحلة. وعلى الصعيد الأكاديمي، عُقد المؤتمر الدولي السابع عشر لـ”جمعية فرنسيس سكوت فيتزجيرالد الدولية” في نيويورك، خلال يونيو/حزيران الماضي، بالتعاون مع جامعة نيو سكول، وضمّ أوراقاً بحثية وعروضاً مسرحية وقراءات أدبية إلى جانب جلسات ناقشت أثر “غاتسبي العظيم” في الثقافة الأميركية وتحوّلها إلى أيقونة أدبية عابرة للأزمنة.
تعكس التحولات العميقة التي شهدها المجتمع الأميركي قبل مئة عام
وبطبيعة الحال وجدت الرواية طريقها إلى الخشبة من خلال عدد من المسرحيات، من بينها عرضٌ قُدّم في برودواي بنيويورك العام الماضي، قبل أن ينتقل به صنّاعُه إلى لندن في ربيع العام الجاري، وستتبعه عروض في كوريا الجنوبية مطلع العام المقبل. وتأتي هذه العروض المسرحية ضمن سلسلة طويلة من محاولات إعادة تقديم الرواية عبر أجيال مختلفة، منذ ظهورها في دُور الأوبرا عام 1999 وصولاً إلى مختلف الأفلام والإنتاجات الحديثة، وأبرزها الفيلم الشهير الذي يحمل العنوان نفسه وأنتج عام 2013، من بطولة ليوناردو دي كابريو، ومساهمته الكبيرة في ازدياد شعبية الرواية.
اللافت في قصة “غاتسبي العظيم” أنَّ كل هذا الاحتفاء بها لم يكن له أثر يُذكر في حياة كاتبها (1896-1940). إذ عاش فيتزجيرالد فترة طويلة وهو يعاني من خيبة أمل نتيجة ضعف الإقبال على عمله، ولم يكن ليتصوّر للحظة أنَّ روايته ستصبح لاحقاً علامة فارقة في الأدب الأميركي، وستنال إجماعاً واسعاً على صعيد القرّاء والنقاد، وحتى على مستوى المناهج التعليمية في المدارس والجامعات.