الرئيسية

تدهور ثروات النفط والغاز في مصر… ما الأسباب؟



عامل يملأ خزان وقود مركبة بثلاث عجلات في القاهرة، 26 يوليو 2024 (أحمد حسن/فرانس برس)

تواجه مصر تدهوراً كبيراً في إنتاج النفط والغاز، يدفعها إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد لسنوات مقبلة، وبخاصة الغاز المسال والمازوت لتشغيل محطات الكهرباء والصناعات الكيميائية ومواد البناء. وفي مفاجأة قاسية، كشف تقرير لمنصة ميس (MEES) المتخصصة في تحليل مشروعات الطاقة والسياسات الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن تراجع إنتاج مصر من النفط إلى 513 ألف برميل يومياً في الربع الثاني من العام الجاري 2025، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ ثمانينيات القرن الماضي.

يأتي ذلك بالتوازي مع انخفاض إنتاج الغاز إلى أدنى مستوى له خلال تسع سنوات، ليبلغ 4.16 مليارات قدم مكعبة يومياً، بتراجع عن المستوى التاريخي المسجل عام 2020 بنحو 7.2 مليارات قدم مكعبة يومياً، وبما يمثل ثلثي احتياجات البلاد من الغاز حالياً التي تصل إلى 6.2 مليارات قدم مكعبة يومياً.

أدنى مستوى إنتاج منذ 17 عاماً

أرجع التقرير تراجع إنتاج النفط والغاز إلى انخفاض أداء الشركات الرئيسية المنتجة للنفط، خصوصاً شركة أباتشي الأميركية التي انخفض إنتاجها بنسبة 3% خلال ربع السنة الثاني إلى 124 ألف برميل يومياً، ليمثل أدنى مستوى إنتاج منذ 17 عاماً، مع توقع ببقاء الإنتاج على المستوى نفسه حتى نهاية العام الجاري.

ووفقاً لبيانات “ميس” انخفض إنتاج المكثفات النفطية بنسبة 4%، ليبلغ 30 ألف برميل يومياً، وتراجع متوسط الإنتاج بمصافي قطاع تكرير البترول خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 44% ليبلغ متوسط إنتاج التقطير نحو 490 ألف برميل بدلاً من 875 ألف برميل يومياً. وأشار التقرير إلى أن الإنتاج المحلي من قطاع التكرير لا يلبي إلا 64% من الطلب المحلي على المكثفات التي تشمل البنزين، والكيروسين ووقود الطائرات، الأمر الذي رفع معدل ورادات المازوت الصافية بنسبة 156%، لتبلغ 55 ألف برميل يومياً.

أوضح التقرير الصادر في 15 أغسطس/ آب الجاري، أن ضغوط تراجع الغاز والنفط المحلي إلى مستوى غير مسبوق سيؤثر بعمق في الإيرادات العامة واستقرار مشروعات الطاقة، الأمر الذي أدى إلى زيادة اعتماد مصر على استيراد الغاز المسال والغاز الطبيعي، بما مكنها من إلغاء استيراد سبع شحنات من المازوت بحجم 2.2 مليون برميل. ولفت التقرير إلى أنه رغم الاتفاق على مضاعفة استيراد الغاز من الأراضي المحتلة عبر شركات إسرائيلية، فإن التدفق من الآبار الاسرائيلية لم يصل بعد إلى مليار قدم يومياً، بما يعادل مستوى التدفقات التي وصلت في شهر يوليو/ تموز 2024، وتقل بنسبة 40% عن الاحتياجات التي تطلبها الشركة الوطنية للغاز.

الضغط على الموازنة العامة

يشير خبراء اقتصاد إلى أنه رغم تعديل وزارة البترول عقود شركات النفط الأجنبية لرفع معدلات التشغيل بالآبار الحالية وتحسين قدراتها الإنتاجية، فإن التدهور المستمر في إنتاج مصر من النفط والغاز يزيد من الضغط على الموازنة العامة، ويدفعها إلى توجيه المزيد من العملة الصعبة لاستيراد المحروقات، خصوصاً الغاز المسال والمازوت اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، وقطاعي الصناعة ومواد البناء التي تعتمد بنسبة 40% من مكوناتها على الغاز الطبيعي.

وفقاً للخبراء، فإن الأرقام الواردة في تقرير “ميس” تظهر فجوة عميقة بين الأهداف الحكومية المعلنة من رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزارة البترول، حول تحسن الوضع وتأمين مصادر الطاقة بزيادة الإمدادات الاسرائيلية إلى معدل الضعف ضمن صفقة قيمتها 35 مليار دولار وواردات الغاز المسال بمشتريات تبلغ 20.5 مليار دولار حتى نهاية العام الجاري، بالإضافة إلى شحنات المازوت لتشغيل محطات الكهرباء، بالتوازي مع ترشيد استهلاك الطاقة وتحسين كفاءة محطات الإنتاج. قال نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، مدحت يوسف، لـ”العربي الجديد”، إن تراجع إنتاج الغاز المحلي يدفع الحكومة إلى تعديل اتفاقياتها الحالية مع الشركات المسؤولة عن تشغيل الآبار وزيادة الاستكشافات، بما يضمن زيادة معدلات الإنتاج المحلي، مع نهاية عام 2027.

الشراء من الآبار الإسرائيلية

وأوضح نائب رئيس هيئة البترول الأسبق أنه رغم هذه الزيادة المتوقعة، فإن مصر ستظل تحتاج إلى شراء المزيد من الغاز الطبيعي الوارد من الآبار الإسرائيلية، لمواجهة الزيادة في الاستهلاك المحلي للمحروقات، وتشغيل مصنعي تسييل الغاز بمدينتي إدكو ودمياط شمال الدلتا، اللذين يتعرضان للتوقف التام، مع تراجع إنتاج الآبار المصرية.

يؤكد يوسف أن تشغيل المصنعين يأتي ضمن التزام حكومي بتوفير الغاز لهما، طوال فترة الامتياز، مع رغبة الحكومة في تحصيل عوائد بالدولار من التشغيل، بما يساعدها في دفع مستحقات الشركات الأجنبية المتأخرة، قيمة الغاز المستخرج من الآبار المشتركة، والاستثمارات المطلوبة لزيادة عدد الآبار بالحقول الحالية وقيمة مشروعات الاستكشافات الجديدة، التي تجري معظمها في مياه البحر المتوسط شمال وغرب دلتا النيل. وتعد صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل، من أكبر صفقات الطاقة في المنطقة، حيث تمكنت شركة نيو ميد إنرجي، الشريك المهيمن مع حلفاء أميركيين على حقل ليفياثان الإسرائيلي في البحر المتوسط، من توقيع اتفاق يقضي بتصدير كمية غاز جديدة إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار.

حصلت الشركة الإسرائيلية على زيادة في سعر توريد الغاز ليرتفع من 5.5 دولارات حالياً إلى 7.67 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وفقاً للاتفاق الجديد الذي يقضي بمضاعفة الواردات الإسرائيلية من الغاز الطبيعي إلى مصر من مستوى 850 مليون قدم مكعبة إلى 1.7 مليار قدم مكعبة. وحسب بيان “نيو ميد إنرجي”، فإن الاتفاق يقضي بتصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر خلال 15 عاماً تنتهي في 2040، أو عند استخدام الكميات المتفق عليها المستخرجة من حقل ليفياثان الذي يحتوي على 600 مليار متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي.

مستحقات الشركات الأجنبية

وفقاً لمصادر، فضلت عدم ذكر اسمها، تبلغ مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مجال إنتاج البترول واستكشافه نحو ملياري دولار، اتُّفق على سدادها بالكامل خلا العام المالي الجاري 2025-2026، مع التزام وزارة البترول سداد قيمة صفقات شراء الغاز المحلي بأقساط تدفع شهرياً. كانت الحكومة المصرية قد وافقت للشركات الأوروبية والأميركية والإسرائيلية على زيادة أسعار توريد الغاز ما بين 30% إلى 40% اعتباراً من أول يوليو/ تموز الماضي، مقابل التزامهم الإسراع في رفع معدلات الإنتاج والاستكشاف للغاز والنفط، خلال العام الجاري، مع التوجه إلى ربط شبكة الغاز المحلية مع دولة قبرص للبدء في توريد الغاز القبرصي المستخرج من آبار شرق المتوسط، إلى مصر اعتباراً من النصف الثاني من عام 2026.

وتعاني مصر من تراكم الديون الخارجية والمحلية، ما ساهم في زيادة الأزمة المالية ودفع الحكومة إلى مزيد من الاقتراض. وأظهرت تقديرات محلية ودولية مختلفة تضارباً في أرقام مستحقات ديون مصر التي تستحق عليها في عام 2025، حيث ذكرت أرقام أن المطلوب سداده 43.2 مليار دولار، فيما أكدت نشرات اقتصادية أن الديون وفوائدها المطلوب سدادها في العام الجاري تُقدر بـ55 مليار دولار.

وكان البنك المركزي المصري قد قدر، في تقرير نشره في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حجم أقساط ديون وفوائد مستحقة على مصر في عام 2024 وحده بـ42.3 ملياراً، لكن في يناير/ كانون الثاني الماضي، أكد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، أن إجمالي ما سُدِّد خلال عام 2024 وصل إلى 38.7 مليار دولار.