
“الأسواق مكتظة، ومباريات كرة القدم مستمرّة. من المقاهي ينبعث دخان النراجيل عند الغروب، وحساء السمك يملأ المائدة أمام شاطئ البحر… غزّة هذه التي عرفتها يبدو أنّها لن تبقى موجودة”، بهذه الكلمات يبدأ الصحافي الإسباني ميكيل أييستاران كتابه الأخير “قصص من غزة: حياة بين الحروب”، الصادر عن دار نشر “Peninsula” الإسبانية، مقدمّاً للقراء شهادة حيّة عن حياة سكان القطاع، بعيداً عن العناوين الإخبارية، والأرقام العسكرية، والأحداث السياسية.
يؤكد الصحافي الإسباني أن أحداث السابع من أكتوبر عام 2023، شكّلت نقطة تحوّل تاريخية، فكان لا بد من متابعة هذا الحدث، الذي شكّل نقطة انطلاق كتابه، الذي يعتبره بمثابة “وصية صحافية لغزّة التي لن تعود كما كانت”، لا سيما بعد أن سمع الأخبار العاجلة على شاشة التلفاز، من مكان وجوده في إسطنبول. هكذا قرّر كتابة شهادته عن المدينة التي زارها وعاش فيها وتعرّف إلى أناسها الذين يعيشون في سجن من الهواء الطلق.
يعود المؤلف بالكتاب إلى جذور غزة التاريخية، منذ أن أسّست في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، مروراً بذكرها في نقوش الفرعون تحتمس الثالث ورسائل تل العمارنة. على مدى قرون، تعاقب عليها الفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيون والعثمانيون، ثم دخلها المسلمون عام 635 م لتصبح مركزاً مهماً يُعرف باسم غزة هاشم، وصولاً إلى أحداث السابع من أكتوبر 2023.
يوثّق قصصاً شخصيّة لأناس تعرّف إليهم وروى حكايتهم داخل القطاع
يقدّم الكتاب صوراً للحياة اليومية في غزة، حيث يرصد الصحافي التحدّيات الإنسانية التي يواجهها سكان القطاع. يصف أييستاران كيف تحوّل القصف المستمر والحصار إلى حياةٍ من الخوف والصمود اليومي، موثّقاً قصصاً شخصيّة لأناس تعرّف إليهم وروى حكاياتهم، مثل قصة كايد حماد وعائلته الذين فقدوا ابنهم واضطروا للتنقل بين 17 مسكناً مختلفاً، مع استمرارهم في مواجهة واقع قاسٍ من النزوح والجوع.
يحاول المؤلف من خلال كتابه تقديم صورة متكاملة لغزة بين الحروب المتلاحقة ومحاولات البقاء، بعيداً عن التغطية العسكرية السطحية والأخبار التي تصل إلى الغرب عنها. كما يوضح أن الأحداث الأخيرة ستعيد رسم خريطة الصراع في المنطقة، من تصاعد الصراعات في لبنان وسورية إلى استخدام إيران للطائرات المسيّرة ضد إسرائيل، وأن العنف المستمر ونقص الغذاء والدواء يضع المنطقة في حالة من الإحباط واليأس العالمي.
إلى جانب الكتاب، أطلق أييستاران مشروع “قائمة طعام غزة”، الذي يوثق وجبات عائلات غزة اليومية وصعوبة الحصول على الطعام والوقود للطهي، محاولاً تسليط الضوء على أثر الحرب على الحياة اليومية. المشروع حاز على جائزة أورتيغا إي غاسيت للصحافة، وحقق صدى واسعاً على وسائل التواصل، خصوصاً بين الشباب الذين يتابعون الأحداث عبر الإنترنت أكثر من الوسائل التقليدية.
عمل ميكيل أييستاران، المولود في بساين بإقليم غيبوثكوا عام 1975، صحافيّاً مستقلاً ومراسلاً في الشرق الأوسط لوسائل إعلام إسبانية مثل “الكوريو” و”ABC” وغيرها. ومنذ عام 2004، زار قطاع غزّة عشرات المرات لتغطية أحداثه، كما عاش سبع سنوات في القدس المحتلة، حيث تابع الحياة اليومية في ظلّ الاحتلال.
