الرئيسية

كوين سلوبوديان… الكندي الذي يكشف الوجه الجديد للرأسمالية



يستحضر المؤرخ الكندي كوين سلوبوديان (Quinn Slobodian)، السياسة الاقتصادية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإيعاز من الليبراليين الراديكاليين، من أجل إرساء الهروب من قيود الحكومة الديمقراطية. يحيل الكثير من المراقبين والمعلقين في الغرب، في الفترة الأخيرة على كتابات الكندي كوين سلوبوديان، التي أضحت ضرورية من أجل فهم الراهن والمستقبل، ولا سيما توجه يمثله الملياردير إيلون ماسك، الذي يقوم على تكريس المنافسة الاقتصادية التي لا تقيدها الديمقراطية، ما يدفع إلى الحديث عن الماسكية (Muskism).

المهتمون بسيرته يقدمون الكندي سلوبوديان، أستاذ التاريخ الاقتصادي والسياسي بجامعة بوسطن، باعتباره مؤرخاً يهتم أكثر بالحركات الاجتماعية والعلاقات شمال جنوب، والتاريخ الثقافي للنيوليبرالية التي ما فتئ يبحث عن محاولات المدافعين عنها من أجل بلورة هدف عالم بدون ديمقراطية. ينأى الكندي البالغ من العمر 47 عاماً، بكتاباته وحواراته الصحافية عن تعقيدات البحث الأكاديمي، غير أن شهرته يدين بها لمؤلفه “أنصار العولمة” وكتابه الجديد “رأسمالية متصدعة: راديكاليو السوق وحلم عالم بلا ديمقراطية” الذي يرصد فيه كيف تسعى الرأسمالية في شكلها الجديد إلى ترسيخ عالم بدون ديمقراطية.

يتعاظم التخوف من التخلي عن القواعد الديمقراطية التي تخفف نسبياً من سطوة السوق، مع بروز شركات التكنولوجيا العملاقة التي تحاول التخفف من كل القيود. هذا ما يسعى إليه إيلون ماسك. يشير إلى أن ماسك تعاطى مع الحكومة قبل أن تنفرط عرى علاقته مع الرئيس الأميركي، كما لو كانت شركة ناشئة بهدف خفض التكاليف وعدد الموظفين. تلك فرضية تستدعي أخرى، تتمثل في السعي تقليص مسؤوليات الدولة عبر إلغاء مهام الحماية الاجتماعية والتعليم واقتصاد الطاقة.

وعندما يكون الحديث عن الرأسمالية يجري ربطها بالديمقراطية. والعكس صحيح. غير أن المؤرخ الكندي يذهب إلى نسبية الربط بين النظامين. فقد كان الاقتصادي الأميركي ميلتون فريدمان الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد لسنة 1976، يؤكد على تفضيله لنظام بينوشي الديكتاتوري في تشيلي على نظام سلفادور أليندي الذي كان يكبح قوانين السوق. كان فريدمان عراب النيوليبرالية يلح على تغليب الحرية الاقتصادية على الحرية السياسية. فالديمقراطية المفرطة تفضي في تصوره إلى تراجع الفعالية وتباطؤ الإنتاج.

تلك رؤية أضحى لها منظرون واقتصاديون، يدافعون في السنوات الأخيرة عن بناء عالم لا يبقى فيه القرار رهيناً بالانتخابات الديمقراطية. فهم يتطلعون إلى إحداث الآلاف من الدول الصغيرة أو المناطق المسيرة على طريقة الشركات. يهتم في كتابه “رأسمالية متصدعة: راديكاليو السوق وحلم عالم بلا ديمقراطية” الذي أثار الكثير من الاهتمام، بجغرافية الرأسمالية، التي لا تسعى إلى اندماج المبادلات كما يزعم المدافعون عن العولمة، بل إلى إحداث العديد من الآليات التي تخدم المستثمرين وأرباحهم عبر تهيئة المناطق الاقتصادية الخاصة والموانئ الحرة ومناطق الأعمال.

يركز في كتابه على الليبراليين الراديكاليين الذين يحلمون بانهيار نظام الدولة – الأمة. إنهم يتطلعون إلى تنظيم الإنسانية في مدن خاصة، تدار مثل شركات ولا مجال فيها للمبدأ الديمقراطي: صوت لكل فرد. فهم يراهنون على اقتصاد متحرر من الإكراهات الإدارية والاجتماعية. يحصي أكثر من ستة آلاف منطقة صناعة خاصة ويتحدث عن الجماعات المغلقة (gated communities). تلك مجموعات تقدر بحوالي عشرة آلاف مجموعة، بعدما لم تكن موجودة في الولايات المتحدة الأميركية قبل نصف قرن.

ويلاحظ أن الفوضويين الرأسماليين والليبراليين الراديكاليين يرون تسريع تفكيك الدولة – الأمة، قد يتأتى عبر عالم يسود فيه المتعاقدون والسائقون على طريقة “أوبر” ووسائل الإعلام المستندة على وسائط التواصل الاجتماعي والعملات الرقمية. يذهب إلى أن أولئك الأصوليين المسترشدين بالفكر النيوليبرالي، يريدون في تعاطيهم مع السوق، بناء نماذج تحيل على الدولة – الشركة، حيث يحلمون بإعادة إنتاج التجارب التي كرست في هونغ كونغ مروراً بلندن وسنغافورة وليشتنشتاين. يؤكد سلوبوديان على أنه يحاول فهم لماذا تسعى شخصيات منحدرة من النخب تسعى إلى تأسيس مجتمع تمحي فيه الدولة الأمة. هذا ما يدفع الكثيرين إلى الاهتمام بكتاباته التي تتيح بعض مفاتيح فهم خلفيات التحالف بين ترامب ومليارديرات التكنولوجيات الحديثة في سيليكون فالي.