
خلال مسيرة تضامن مع أهل غزة وصحافييها في أمستردام، 16 أغسطس 2025 (منيب تيم/ فرانس برس)
منذ 22 شهراً على بدء حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة يدفع الصحافيون الفلسطينيون حياتهم ثمناً للحقيقة. فالكاميرا والميكروفون والدرع الواقي لم تكن كافية لحمايتهم من الغارات والقصف، بل تحوّلوا إلى أهداف مباشرة لجيش الاحتلال، الذي تعمّد اغتيالهم أثناء التغطية، أو حتّى في لحظات استراحتهم بعيداً عن الميدان.
حصيلة ثقيلة من القتل والتدمير
وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، وعلى مدار نحو عامين من الإبادة الجماعية، قتلت إسرائيل 238 صحافياً، بينهم 26 صحافية. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتّى نهاية العام 2024، قتلت إسرائيل 201 صحافي وصحافية، فيما قتلت 37 آخرون منذ مطلع عام 2025 وحتّى 15أغسطس/آب الحالي، كما أصيب 480 صحافياً، وتعرض 49 آخرون للاعتقال، وشمل الاستهداف البنية التحتية للقطاع الإعلامي، إذ استهدف الجيش الإسرائيلي 12 مؤسسة صحافية ورقية، و23 مؤسسة إعلامية رقمية، و11 إذاعة، و16 فضائية (بينها 4 محلية و12 مقراتها في الخارج)، و5 مطابع كبرى و22 مطبعة صغيرة، و5 مؤسسات نقابية ومهنية وحقوقية معنية بحرية الصحافة. كذلك دمر الجيش الإسرائيلي 32 منزلاً لصحافيين، بقصفها بطائراته الحربية. ويقدر المكتب الإعلامي الحكومي خسائر هذا القطاع في غزة بأكثر من 400 مليون دولار، ورغم ذلك، لا تزال 143 مؤسسة إعلامية تواصل عملها في القطاع رغم القتل والتدمير.
جريمة حرب مكتملة الأركان في غزة
قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، لوكالة الأناضول، إنّ “استهداف الاحتلال الصحافيين والمؤسسات الإعلامية جريمة حرب مكتملة الأركان”، وأضاف: “قتل الصحافيين يهدف لإسكات الحقيقة وطمس معالم جرائم الإبادة الجماعية، وهي تمهيد لخطة الاحتلال الإجرامية للتغطية على المذابح الوحشية الماضية والقادمة التي نفّذها وينوي تنفيذها في قطاع غزة”، وطالب “الاتحاد الدولي للصحافيين، واتحاد الصحافيين العرب، وجميع الأجسام الصحافية والحقوقية الدولية في كل أنحاء العالم، بتأمين الحماية الكاملة للصحافيين الفلسطينيين والمؤسّسات الإعلامية في غزة، وضمان محاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم ضدّ حرية الصحافة والحق في الوصول إلى المعلومات”.
وفي السياق نفسه، أدانت منظمات صحافية بشدة اغتيال إسرائيل الصحافيين في قطاع غزة، ودعت إلى تضامن دولي ضد الهجمات الإسرائيلية الممنهجة على الصحافيين في القطاع. جاء ذلك في بيان مشترك الخميس للاتحاد الدولي للصحافيين، وجمعية الصحافيين البلجيكيين، والاتحاد الأوروبي للصحافيين، واتحاد الصحافيين الفلسطينيين، وغيرها من المنظمات الصحافية، واعتبر البيان استهداف الصحافيين الميدانيين الذين يرتدون سترات الصحافة بأنه “استراتيجية متعمّدة من الحكومة الإسرائيلية لإسكات الصحافة المستقلة ومنع توثيق جرائم الحرب”، وحمّلت المنظمات الصحافية الدولية الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن هذه الاغتيالات، مؤكدة أنه لا يمكن تبرير الاعتداءات على الصحافة بذريعة الأمن.
وجوه وشهادات من الميدان
10 أغسطس 2025
قتلت إسرائيل 6 صحافيين بينهم مراسلا قناة “الجزيرة” أنس الشريف ومحمد قريقع، بغارة استهدفت خيمة كانوا يقيمون فيها قرب مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة. كان اسم أنس الشريف حاضراً في نشرات الأخبار العالمية طوال نحو عامَين من الحرب، بصفته مراسلاً ميدانياً وأحد الأصوات القليلة التي كسرت الحصار الإعلامي، موثقاً للعالم مشاهد التجويع والمجازر الإسرائيلية في غزة. ولد الشريف في 3 ديسمبر/كانون الأول 1996 في مخيّم جباليا شمال القطاع، إذ عاش طفولته بين أزقة المخيّم المكتظّ وظروف الأزمات والحروب المتكرّرة. فيما ولد قريقع عام 1992 في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ونال درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية في غزة عام 2014، وعمل في وسائل إعلام محلية عدّة، قبل عمله في “الجزيرة” خلال الحرب على القطاع. نشأ يتيماً بعد فقدان والده في طفولته، وتربى مع والدته التي ارتبط بها ارتباطاً وثيقاً، والتي قتلها الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياحه مستشفى الشفاء في مارس/آذار 2024، عندما اعتقل نجلها محمد آنذاك. وعرف قريقع بتديّنه وحفظه للقرآن، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء.
5 يونيو/حزيران 2025
قتل الجيش الإسرائيلي 4 صحافيين فلسطينيين في استهداف إسرائيلي واحد وهم: سليمان حجاج (مراسل ومحرّر في قناة فلسطين اليوم)، وإسماعيل بدح (مصور في القناة نفسها)، وسمير الرفاعي (محرّر في وكالة شمس نيوز الإخبارية). وفي اليوم نفسه استشهد الصحافي في الوكالة الوطنية للإعلام، يوسف النخالة، متأثراً بجروح أصيب بها في 31 مايو/أيار 2025.
10 يناير/كانون الثاني 2025
قُتل سائد أبو نبهان المتعاون مع وكالة الأناضول برصاص قناص إسرائيلي أثناء تأديته عمله الصحافي في مخيّم النصيرات وسط قطاع غزة.
6 أكتوبر 2024
قتل المصور الصحافي حسن حمد في أكتوبر 2024، جراء قصف إسرائيلي شمال قطاع غزة، بينما كان يعمل مع عدد من وسائل الإعلام. وصل جثمانه إلى مستشفى كمال عدوان أشلاءً لا تحمل سوى سترته الصحافية، وتعرّف عليه شقيقه محمد من خلال شعره.
7 يناير/كانون الثاني 2024
قتل الصحافي حمزة الدحدوح (مواليد 1996) الذي كان يعمل لصالح “الجزيرة”، وهو نجل مدير مكتب القناة في غزة وائل الدحدوح، إلى جانب زميله الصحافي مصطفى ثريا، بقصف إسرائيلي استهدف سيارتهما غرب خانيونس جنوب القطاع. حمزة حصل على بكالوريوس الصحافة والإعلام من جامعة الأزهر في غزة، وفقد والدته وأشقاءه بقصف إسرائيلي استهدف منزلاً يؤوي العائلة في مخيّم النصيرات في أكتوبر 2023، قبل أن يُستهدف مجدداً خلال عمله الميداني.
15 ديسمبر/كانون الأول 2023
قتلت إسرائيل الصحافي والمصور سامر أبو دقة (مواليد 1978) الذي يعمل في “الجزيرة”، جراء قصف إسرائيلي استهدفه في خانيونس، حيث تُرك ينزف ست ساعات من دون إسعاف بسبب الاستهدافات الإسرائيلية. ينحدر أبو دقة من بلدة عبسان الكبيرة قرب خانيونس، وهو أب لثلاثة أبناء وبنت يقيمون في بلجيكا، فيما اختار البقاء في غزة لمواصلة عمله الميداني.
19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023
استشهد الصحافي بلال جاد الله (مواليد 1978)، إثر قصف مباشر استهدف مركبته بمدينة غزة. شغل جاد الله منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة بيت الصحافة، وساهم في تأسيس وكالة سوا الإخبارية (خاصة). وخلال عمله، عقد اتفاقيات تعاون دولية وعربية لحماية الصحافيين، وأشرف على ورش تدريبية، كما جعل من بيت الصحافة ملاذاً آمناً للإعلاميين خلال الحروب ووزع عليهم معدات السلامة المهنية.
1 ديسمبر 2023
المصور المتعاون مع وكالة الأناضول منذ 2014، منتصر الصواف (مواليد 1990)، قتل هو وشقيقه الصحافي مروان، بقصف إسرائيلي استهدف جنوب غزة. قبل أسبوعين فقط من استشهاده، نجا منتصر من قصف صاروخي إسرائيلي على منزله أودى بحياة والديه وعدد من أشقائه، وأصيب حينها في عينه وأنفه، لكنه واصل عمله الميداني رغم تدمير المستشفيات ونقص العلاج. منتصر متزوج وأب لطفلين، ودرس الصحافة والإعلام في جامعة الأقصى. أما شقيقه مروان المتزوج ولديه طفل، فدرس تخصّص تكنولوجيا المعلومات في مدينة غزة وعمل في شركة “ألِف ملتيميديا” المتخصّصة في الأفلام الوثائقية.
الفترة الأكثر دموية
تؤكد لجنة حماية الصحافيين الدولية أن هذه الفترة تُعد الأكثر دموية بالنسبة للصحافيين منذ عقود. واستندت اللجنة في تقييمها إلى قاعدة بياناتها التي تعود إلى عام 1992. وبينما بلغ عدد الشهداء الصحافيين في غزة 239، أعدّت اللجنة مقارنة بالأرقام بين الصحافيين الشهداء في غزة والحروب الأخرى.
في العراق، غزت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة البلاد في مارس/آذار 2003، وانتهت العمليات القتالية الأميركية رسمياً في 2010، مع انسحاب معظم القوات الغربية بحلول نهاية 2011. وخلال هذه الفترة، قُتل 228 صحافياً وفقاً للجنة حماية الصحافيين.
أما في أفغانستان، فقد قادت الولايات المتحدة حرباً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول2001 لإزاحة “طالبان” من السلطة وتشكيل حكومة جديدة، قبل أن تستعيد “طالبان” السيطرة عام 2021. بين 2001 و2021 قُتل 76 صحافياً وعاملاً إعلامياً محلياً ودولياً.
وفي فيتنام، حارب النظام الشيوعي في الشمال المدعوم من الاتحاد السوفييتي والصين حكومة الجنوب المدعومة من الولايات المتحدة منذ 1955، وانخرطت الولايات المتحدة عسكرياً مباشرة في 1965 حتى سقوط سايغون عام 1975.العدد الإجمالي للصحافيين الذين قُتلوا أو يُفترض أنهم ماتوا خلال الحرب بلغ 71 صحافياً.
ويقدر الاتحاد الدولي للصحافيين أن ما بين 60 و80 صحافياً قُتلوا بين عامي 1941 و1944 خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي أوكرانيا، قُتل ما مجموعه 29 صحافياً وعاملاً إعلامياً منذ 2014، عندما سيطرت موسكو على شبه جزيرة القرم. ومع بدء الغزو الروسي الواسع في فبراير/شباط 2022، قُتل 19 صحافياً وعاملاً إعلامياً إضافياً.
(الأناضول، العربي الجديد)
