الرئيسية

إله الحرب في غزة



أشعل السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام فتيل الخرافة السياسية، حين برّر قبل نحو شهرين، حرب الإبادة في غزة بقوله: “دعم إسرائيل ليس خياراً، بل وصية إلهية، وإن تخلّينا عنها فسيسحب الرب رحمته من أميركا”. هكذا تُشرعن المجازر باسم الرب. هذه التصريحات، التي تبرر الإبادة على أساس “يد الرب العظمى” عند التيار الخلاصي، تعكس تداخلاً خطيراً بين السياسة والأسطورة، وتعيد استحضار خطاب “الأرض الموعودة” الذي رافق مجازر الاستيطان الأوروبي ضد السكان الأصليين في أميركا الشمالية.

غراهام ليس وحيداً؛ فزميله السيناتور الجمهوري تيد كروز أعلن أن دعم إسرائيل “وصية دينية”. وتواصل النخبة الأميركية في تيار الصهيونية المسيحية بغطرسة الجهل واستهانة فادحة، توظيف الدين لتبرير الاحتلال الإحلالي، مختزلة حياة الفلسطينيين وحقوقهم ضمن سرديات توراتية عن “الأغيار” خارج أي اعتبار للقانون الدولي أو حقوق الإنسان التي يدعي الغرب أنه يُدافع عنها. في المقابل، بدأ مثقفون غربيون بمراجعة هذا التواطؤ. أحدهم، دنماركي بارز، كشف كيف تربى على أن “الوقوف مع إسرائيل واجب” ما يعكس مدى تغلغل الأساطير الدينية في تشكيل الوعي الأوروبي وتطويعه لخدمة مصالح الهيمنة. الأخطر أن حكومة الاحتلال لم تعد تخفي استنادها إلى عقيدة توراتية – تلمودية متطرفة، تُسقِط القانون الدولي والأخلاق الإنسانية أمام “وعد إلهي” مزعوم، وتُعيد تصديره بلكنة أميركية فاقعة. فالسفير الأميركي لدى الاحتلال مايك هاكابي، مثل غيره من “مبشري الدم”، يبارك المجازر في غزة والضفة الغربية المحتلة وكأنها تنفيذ لوصية سماوية، مانحاً الاحتلال تفويضاً إلهياً لارتكاب الإبادة.

لنتخيّل أنّ شيخاً أو كاهناً عربياً قال إن دعم فلسطين وصية إلهية، أو إنّ تحرير القدس وعد قرآني أو إنجيلي، هل كان الغرب سيتسامح مع ذلك كما يفعل مع غراهام وكروز وأباطرة إرهاب الصهيونية الدينية؟ أم كان سيسرع لتصنيفه تطرفاً دينياً وتحريضاً؟ المسألة ليست في الإيمان، بل في نفاق مكشوف يبرر الجرائم الصهيونية بوعد إلهي، بينما يُجرّم أي خطاب عربي إنسانوي مقاوم تحت تهمة “الإرهاب”. ما يجري في فلسطين ليس صراع أديان، بل صراع على المعنى والحقيقة والعدالة، وفضحٌ لنفاق مستتر خلف الأساطير، ففرض خرافة دينية على واقع بشري حيّ، لنزع شعب من أرضه بذريعة “وعد الرب”، هو أقسى أشكال التسييس الديني لتبرير المحو والإبادة. وفي زمن تتآكل فيه شرعية القيم الغربية، يصبح الوقوف مع فلسطين واجباً أخلاقياً، لا عداءً لليهودية، بل دفاعاً عن إنسانية تُذبح باسم الرب.