الرئيسية

دلالات إحياء "الاتحاد الاشتراكي" مطلب الملكية البرلمانية في المغرب



الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، 13 يوليو 2025 (صفحة الحزب/فيسبوك)

يتحضر حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المغربي المعارض لعقد مؤتمره الوطني الـ12، والمرتقب في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في وقت بدت فيه لافتة عودة الحزب إلى إحياء مطلب الملكية البرلمانية. وبينما اعتادت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ نشأته، في عام 1975، على طرح مسألة الانتقال إلى الملكية البرلمانية في سياقات سياسية ضاغطة، تبدو لافتة دعوة مشروع الورقة السياسية للجنة التحضيرية، للمؤتمر المقبل، إلى إصلاح دستوري يفضي إلى إقرار ملكية برلمانية بالتوافق مع المؤسسة الملكية، إلى جانب مراجعة شاملة للمنظومة الانتخابية ومنع استغلال وسائل الدولة في العملية الانتخابية.

وفي خطوة لافتة تسبق موعد الانتخابات التشريعية في 2026، اعتبر مشروع الورقة السياسية، المنتظر التصويت عليها خلال مؤتمر الحزب، أن مرور 14 سنة على اعتماد الدستور الحالي يستوجب مراجعة دستورية لفتح أفق سياسي جديد، وأن يتم ذلك بتوافق مع المؤسسة الملكية بهدف بلوغ ملكية برلمانية تعزز النموذج الديمقراطي المغربي وتكرس الأثر الحقوقي والسياسي والاجتماعي.

ووفق مشروع الورقة السياسية، فإن “الاختلالات التي عرفها تطبيق مقتضيات الدستور أثرت بالسلب على صياغة التعددية السياسية بالمملكة؛ إذ فتحت الباب أمام بروز تغول سياسي وتحالفات حزبية ضيّقة أثرت على التوازن المؤسساتي الوطني”. ويرى المشروع أن “الإصلاح الدستوري المرغوب فيه سيعيد الثقة في المؤسسات والأحزاب والنقابات وكل مكونات المشهد الوطني”، مشدداً على “أولوية مراجعة القوانين الانتخابية وتجاوز التقطيع الانتخابي الحالي، ثم إقرار مركزية حقيقية، مع العودة إلى الاقتراع الفردي على مستوى الجماعات ومجالس المقاطعات”.

ويتجدد النقاش في المغرب من حين إلى آخر عن الملكية البرلمانية، وهي شكل من أشكال النظام السياسي يطالب به بعض الفاعلين السياسيين والمدنيين، ويقوم على وجود عاهل، سواء أكان ملكاً أو إمبراطوراً أو قيصراً، على قمة الهرم السياسي للبلاد دون أن يكون ضالعاً بشكل واسع في صوغ وتنفيذ القرارات السياسية التي هي من شأن حكومة منبثقة عن مجالس تمثيلية يجرى انتخابها عبر الاقتراع العام المباشر ومسؤولة أمامها.

وبحسب الفصل الأول من الدستور المغربي لعام 2011، فإن “نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية”، و”يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية والمواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”. وليست المرة الأولى التي يثير فيها الاتحاديون مطلب “الملكية البرلمانية”، إذ يعود ذلك إلى المؤتمر الثالث للحزب عام 1978 حيث ورد هذا المطلب في البيان السياسي الذي صاغه المؤتمر دون أن ينشر.

ولئن كان مطلب الملكية البرلمانية قديماً في أدبيات الاتحاد الاشتراكي وعدد من الأحزاب اليسارية، من قبيل أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد، إلا أن أسئلة عدة تُطرح حول دلالات رفع هذا المطلب وتوقيته ومدى جديته، لا سيما في ظل اختفاء هذا الخطاب من القاموس السياسي لغالبية الأحزاب المغربية منذ إقرار دستور 2011.

وفي السياق، رأى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، في حديث لـ “العربي الجديد”، أن ما تضمنه مشروع الورقة السياسية للجنة التحضيرية لحزب الاتحاد الاشتراكي يُظهر رغبة في رفع سقف مطالب الحزب السياسية، في الوقت الذي يعاني فيه من تراجع تنظيمي وجمود في قيادته. وأوضح أن مطالبة الحزب بملكية برلمانية تنغرس ضمن المرجعية المذهبية والسياسية منذ تشكل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يدعو إلى ملكية تسود ولا تحكم.

وأشار شقير إلى أنه “بعد انشقاق رفاق عبد الرحيم بوعبيد عن هذا الحزب، واصل الاتحاد الاشتراكي مطالبته بملكية برلمانية، خاصة بعد حراك 20 فبراير/شباط 2011 الذي كان وراء إصدار الدستور الحالي، الذي تضمن تطويراً لبعض مؤسسات الحكم بما فيها رئاسة الحكومة التي أُسندت إليها عدة اختصاصات تنفيذية لم يتم تطبيقها بحسب الورقة السياسية للحزب، بسبب تأويل محافظ تبناه أول رئيس حكومة انتُخب في ظل الدستور الجديد عبد الإله بنكيران الذي لم يكن، بحسب الورقة نفسها، في المستوى المطلوب”.

وقال شقير إن الحزب يرى أن “الروح التقدمية للدستور تتطلب في منظوره بلورة توافق مع المؤسسة الملكية لإجراء مقتضيات دستورية تدعم التوجه نحو ملكية برلمانية مقرونة كذلك بإجراء تعديلات هيكلة على مدونة الانتخابات القادمة، وإعادة النظر في التقطيع الانتخابي بشكل يتماشى مع التحولات الديمقراطية والاجتماعية التي عكسها الإحصاء الأخير للمملكة، بالإضافة إلى ضرورة الرجوع إلى الاقتراع الأحادي الاسمي”.

من جهته، رأى رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية في المغرب رشيد لزرق أن دعوة الاتحاد الاشتراكي إلى مراجعة الدستور الحالي وإقرار ملكية برلمانية تعد “خطوة سياسية جريئة تعكس رغبة في إعادة التوازن بين السلط وتعميق الخيار الديمقراطي بالمغرب”. وأوضح لزرق لـ “العربي الجديد” أن الحزب، من خلال نقده ما يعتبره تأويلاً غير ديمقراطي للدستور، يُحمل المسؤولية للحكومات السابقة في إفراغ النص الدستوري من محتواه الإصلاحي، ما أضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات والعملية الانتخابية.

واعتبر لزرق أن مطالبة الحزب بمراجعة التقطيع الانتخابي والعودة إلى الاقتراع الفردي “تعكس سعياً لتصحيح أعطاب التمثيلية وتحصين التعددية من منطق الهيمنة”، مؤكداً أن ترجمة هذه المطالب إلى إصلاح فعلي “تظل رهينة بمدى توفر إرادة سياسية عليا وقوة مجتمعية قادرة على فرض نقاش دستوري وطني جامع”.

ورقة انتخابية لا سياسية؟

بالمقابل، رأى المحلل السياسي خالد البكاري أن ما جاء في الورقة السياسية، التي يفترض أن تُعرض أثناء المؤتمر القادم، بخصوص الدعوة إلى تعديلات دستورية لا يمكن أن ترقى في دلالتها السياسية وآثارها إلى تلك الدعوات التي كانت تصدر من الحزب زمن المعارضة خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني، سواء أطلقها بمفرده أو في إطار تحالفاته مع ما عرف وقتذاك بالكتلة الوطنية.

وأرجع البكاري ذلك إلى “التوجه التقني لهذه الدعوة كما وردت في الورقة السياسية، إذ لا تضع التعديلات التي يدعو إليها الحزب في سياق أوسع مرتبط بأسئلة الديمقراطية المكتملة، واحترام الحقوق والحريات، بل يربطها بالانتخابات أساساً، وحتى دون مساءلة هذا النسق الانتخابي الحالي المشدود إلى ديمقراطية شكلية”. وأوضح في تصريحات لـ”العربي الجديد” أن الحزب ينطلق أساساً من تخوفات بهزيمة انتخابية مدوية وفق نمط الانتخاب الحالي، وبالتالي، فـ”نحن أمام دعوة تقنية وليس سياسية، ومجالها هو تحيين القوانين الانتخابية المرتبطة بنمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي، ولا علاقة لها بالإصلاح الدستوري في شموليته وفلسفته ورهاناته السياسية”.

ولفت إلى أن “الكاتب الأول (الأمين العام) للاتحاد الاشتراكي سبق أن أطلق مثل هذه الدعوات في مناسبات سابقة، ثم يعود لاحقاً ليشيد بالوثيقة الدستورية ويعتبرها علامة من علامات الديمقراطية، حسب زعمه، بالمغرب، ثم يتحدث مرات أخرى عن أن الخلل في تنزيل مقتضيات الدستور وليس في الوثيقة نفسها، ما جعل متابعين الشأن السياسي بالمغرب لا يعيرون كثير اهتمام لمثل هذه الدعوات، ويعتبرونها لا تخرج عن سعي زعيم الاتحاديين إلى الحضور الإعلامي بعد أن قزم حزبه وجعله هامشياً، وبعيداً عن تاريخه حضوراً وتصوراً وجماهيرية”.

وقال: “ما يزكي ذلك هو أن الحزب سبق له أن أطلق دعوات لملتمس الرقابة ثم انسحب من التكتل الذي التحق بهذه الدعوة، ولذلك فإن الغيورين على الحزب اليوم لم يعودوا يلقون بالاً لأية دعوات صادرة من الحزب أو كاتبه الأول، وبهذا الخصوص، يمكن الحديث عن العديد من الكتابات من اتحاديين سابقين ومن يساريين لهم وزنهم الاعتباري تدعو إلى إصلاح البيت الاتحادي نفسه. والقطع مع زمن إدريس لشكر، حيث فقد الحزب حتى جوهره الاشتراكي الديمقراطي”، على حد تعبيره.