الرئيسية

فقاعة التكنولوجيا: مخاوف من الرهان المبالغ فيه على الذكاء الاصطناعي



مقر بورصة ناسداك، نيويورك، 9 إبريل 2025 (أنجيلا وايس/ فرانس برس)

يشعر مستثمرون في أسهم التكنولوجيا بقلق ظهر من خلال عمليات البيع الواسعة أول من أمس الثلاثاء. الخوف يتزايد من فقاعة التكنولوجيا التي قد تطيح قيم الأسهم والأرباح خلال الفترة المقبلة. فقاعة تشبه ما حصل في أوخر التسعينات حين بدأت واحدة من أشهر الأزمات المالية في التاريخ الحديث، وارتبطت مباشرةً بالانتشار السريع لشركات الإنترنت في أواخر التسعينيات وبداية الألفية. حينها تم تضخيم التوقعات على جاذبية الإنترنت السوقية، حصلت عمليات شراء واسعة، وحقق ناسداك تدفقات هائلة وصلت إلى زيادة بنسبة 80% في الاستثمارات. بدأت الأحلام تتبخر مع بداية الألفية، وبعدما وصل ناسداك إلى ذروته، بدأ الانهيار. خلال عامين وتحديداً في أكتوبر 2022 انخفض مؤشر ناسداك 78%، فأفلست آلاف الشركات، وتكبد صغار المستثمرين خسائر واسعة، ولفظت السوق مليارات الدولارات من الاستثمارات الخائبة.

اليوم، يقارن خبراء السوق ما بين نمط تشكل فقاعة الدوت كوم وصعود أسهم التكنولوجيا المدعومة بالاستثمارات في الذكاء الاصطناعي. فقد ارتفع مؤشر ناسداك 100، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، بنسبة تقارب 40% منذ هبوطه في أوائل إبريل/نيسان، والذي حفزته الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب (وفق رصد بلومبيرغ). وهذا ما يعتبره المستثمرون صعوداً عنيفاً وسريعاً قد يقابله الانهيار. وعززت هذه التوقعات عمليات البيع المكثفة التي شهدتها أسهم التكنولوجيا العملاقة في وول ستريت الثلاثاء، بقيادة أسهم إنفيديا التي فقدت 3.5% من سعرها. ورغم الهدوء الذي سيطر على التداولات الأربعاء، وصعود إنفيديا 0.03% حتى ظهر الأربعاء، لا تزال المخاوف تتحكم في السوق.

ويعتقد سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، أن المليارات من الدولارات المستثمرة في الذكاء الاصطناعي الآن يمكن أن تخلق فقاعة مماثلة لانهيار الدوت كوم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويسأل “هل نحن في مرحلةٍ يُفرط فيها المستثمرون عمومًا في حماسهم للذكاء الاصطناعي؟ في رأيي، نعم”، هذا ما قاله ألتمان في حفل عشاءٍ أقيم مؤخرًا، وفقًا لموقع “ذا فيرج”. وتُظهر البيانات أن شركات التكنولوجيا الناشئة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أصبحت الآن محورًا للتمويل أكثر من أي وقت مضى.

ملامح تشكّل فقاعة التكنولوجيا

ووفقًا لموقع “باتش بوك”، جمعت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة 104.3 مليارات دولار في الولايات المتحدة في النصف الأول من عام 2025، وهو ما يُقارب إجمالي المبلغ الذي جمعته جميع الشركات الناشئة في عام 2024. وما يقرب من ثلثي دولارات تمويل المشاريع الأميركية ذهبت إلى شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة هذا العام، وهي نسبة أعلى من 49% من إجمالي التمويل العام الماضي. ثم إن الإنفاق الرأسمالي على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ضخم للغاية لدرجة أن شركة رينيسانس ماكرو ريسيرش تقول إنه ساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة هذا العام أكثر من إنفاق المستهلكين.

وأشار ألتمان إلى أن تقييمات الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي وصلت الآن إلى مستويات “مجنونة”، حيث تجمع الشركات الناشئة مئات الملايين من الدولارات بمجرد فكرة، مما يشير إلى فقاعة، بحسب سي أن بي سي. وكان سبب انهيار فقاعة الإنترنت هو المبالغة في تقييم المستثمرين لشركات التكنولوجيا القائمة على الإنترنت، والتي افتقرت إلى نماذج أعمال مستدامة، وحققت أرباحًا ضئيلة أو معدومة، وهو مشابه لما يحدث اليوم في شركات التكنولوجيا.

تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في شركة أبولو غلوبال مانجمنت، كتب في مذكرة للعملاء يوم الاثنين عن مخاوفه من بدء تشكل فقاعة التكنولوجيا. وكان سلوك قد أشار منذ أيام إلى أن فقاعة الذكاء الاصطناعي الحالية بدأت تبدو أسوأ من ظروف السوق التي أدت إلى انفجار شركات الإنترنت في أواخر تسعينيات القرن العشرين.

وفي مذكرة تم تداولها على نطاق واسع، دقّ سلوك ناقوس الخطر بشأن جنون السوق الواضح، الذي تقوده شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في صناعة الذكاء الاصطناعي. وبحسب وزن المؤشر، فإن شركة إنفيديا، المُصنّعة لشرائح الذكاء الاصطناعي، تتصدر المجموعة في مؤشر S&P 500، تليها مايكروسوفت، آبل، أمازون، ميتا، وألفابيت، والتي قامت جميعها باستثمارات بمليارات الدولارات في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، لا تزال الأرباح أقل بكثير من الإنفاق الفلكي على بناء البنية الأساسية، حيث أظهر بعض قادة التكنولوجيا بالفعل علامات مبكرة على التردد، نظراً إلى التفاوت الهائل بين نسبة سعر السهم إلى الأرباح.

وفقًا لمذكرة بحثية صادرة عن شركة S&P Global في يونيو/حزيران ونشرها موقع “فيوتشريزم”، من المتوقع أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي بوتيرة سريعة، ليصل إلى إيرادات إجمالية قدرها 85 مليار دولار بحلول عام 2029. ومع ذلك، عندما تفكر فإن هذا المبلغ لا يزيد إلا قليلاً عن أكثر من 60 مليار دولار ستنفقها ميتا على النفقات الرأسمالية هذا العام وحده.

الفارق بين الإنفاق والربح

ومنذ يومين كتب بيل بونر، مؤسس شركة أغورا فاينانشال، أن شركات إنفيديا، ومايكروسوفت، وألفابت، وآبل، وميتا، وتيسلا، وأمازون، تُشكل مجتمعةً ثلث إجمالي قيمة سوق الأسهم الأميركية، وهو مبلغ يُعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي للصين. يكمن جزء من جاذبية هذه الأسهم في الاعتقاد السائد بأنها تستفيد من تقنية الذكاء الاصطناعي.

وهذا بالطبع عامل الجذب الرئيسي في حالة إنفيديا. لكن الشركات الأخرى تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي أيضًا. في عامي 2024 و2025، تضخ ميتا وأمازون ومايكروسوفت وغوغل وتسلا أكثر من نصف تريليون دولار في الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن تبلغ إيرادات هذه الاستثمارات حوالي 35 مليار دولار. على سبيل المثال، استثمرت أمازون أكثر من 100 مليار دولار، مما يُعتقد أنه سيُدرّ إيرادات إضافية قدرها 5 مليارات دولار. واعتبر أن هذه الأرقام ليست مثيرة للإعجاب. وكما حدث في طفرة الدوت كوم في أواخر التسعينيات، لا يُؤتي الذكاء الاصطناعي ثماره.

تُضَخ استثمارات ضخمة على أمل بناء ثروة قائمة على الذكاء الاصطناعي، لكن حتى الآن، لا ترقى النتائج إلى المستوى المطلوب. وحذّر مايكل هارتنت، كبير استراتيجيي الاستثمار في بنك أوف أميركا، من تشكّل فقاعة في الأصول الخطرة منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتوقع انخفاض الأسهم الأميركية بعد انتهاء ندوة جاكسون هول التي ينظمها الاحتياطي الفيدرالي اليوم الخميس وتمتد حتى السبت، فيما يلقي رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول كلمة شديدة الحساسية يوم الجمعة، بالتزامن مع الرسوم الجمركية الأميركية التي تهز اقتصادات العالم والولايات المتحدة في آن، وفي خضم حرب يخوضها الرئيس دونالد ترامب ضد باول وصلت إلى نعته بـ”الغبي”، ويترقب المستثمرون كلمة باول للحصول على بعض الأدلة حول اتجاهات الفيدرالي في تحديد مصير الفائدة الأميركية في سبتمبر/ أيلول المقبل.

وفي مايو/ أيار الماضي حذر أستاذ الاقتصاد والحائز جائزة نوبل بول رومر من أن الثقة المفرطة في الذكاء الاصطناعي تهدد بتكرار أخطاء فقاعة العملات المشفرة التي حدثت قبل عامين فقط. قال رومر لقناة بلومبيرغ التلفزيونية: “في الوقت الحالي، ثمة ثقة مفرطة في مستقبل الذكاء الاصطناعي. عندما يتنبأ الناس بهذا الأمر، أعتقد أنهم معرضون لخطر ارتكاب خطأ فادح”.

العبرة الرئيسية من وجهة نظر رومر هي مثال المركبات ذاتية القيادة. شركات مثل تسلا وعدت لسنوات بسيارات ذاتية القيادة بالكامل، لكن أنظمة التشغيل الآلي لديها لا تزال تعاني مشكلات في الموثوقية وحالات استثنائية تحول دون تحقيق هذا الوعد. واعتبر أنه بعد عامين من الآن، من المرجح أن ينظر الناس إلى اللحظة الراهنة ويقولوا: “لقد كانت فقاعة بالفعل، لقد بالغنا في تقدير اتجاهها”. ولفت إلى الضجيج حول الذكاء الاصطناعي الذي عزز أسهم إنفيديا بأكثر من ستة أضعاف منذ بداية العام الماضي، حيث تقدر قيمة الشركة بنحو 2.8 تريليون دولار. ووصف الحائز جائزة نوبل الأمر بأنه “ضجة فقاعة نموذجية” وتوقع أن يتباطأ تقدم الذكاء الاصطناعي بحدّة.

لكن في المقابل، توجد آراء تدافع عن دورة الصعود التكنولوجية، فقد قال بنك غولدمان ساكس إن أسهم التكنولوجيا ليست في فقاعة ناجمة عن الذكاء الاصطناعي، ولا تزال هناك فرص استثمارية جذابة في القطاع. وكتب فريق غولدمان ساكس: “أن تقييمات شركات التكنولوجيا المهيمنة اليوم أقل تطرفاً بكثير من تقييمات فقاعة الدوت كوم، وأن أساسيات قطاع التكنولوجيا اليوم أقوى بكثير أيضاً”. كذا، اعتبر بنك “سيتي”، في مذكرة استراتيجية الأسهم الأميركية التي نشرها في مايو الماضي، أن هذه ليست فقاعة، وأن بعض مقاييس التقييم مقنعة، ومن ثم ينبغي الاستفادة من تمكين الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي.