أخبار الاقتصاد

#original_title #original_title


خاص

فول الصويا - حبوب

فول الصويا – حبوب

في مشهد يعيد أجواء الحرب التجارية بين واشنطن وبكين إلى الواجهة، توقفت الصين، أكبر مستورد لفول الصويا في العالم، عن شراء المحاصيل الأميركية بشكل كامل للمرة الأولى منذ عام 2018.

فعادةً ما يكون شهر سبتمبر من كل عام، موسم الذروة لمزارعي فول الصويا في ولايات مثل إلينوي وأيوا ومينيسوتا، حيث كانت الشحنات الأميركية من هذا المُنتج تتجه تقليدياً نحو الموانئ الصينية.

ولكن هذا العام، انقلبت المعادلة رأساً على عقب، فبكين، ورداً على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، جمّدت طلبياتها من شحنات فول الصويا الأميركية بالكامل، وقطعت علاقاتها مع أحد أهم مورديها وأكثرهم ربحية في الخارج، علماً أنّ الصين كانت قد استحوذت في عام 2024 على نحو نصف صادرات فول الصويا الأميركية، بقيمة تقارب 12.6 مليار دولار.

التصعيد الناعم

وبالنسبة للصين، فقد شكّل قرارها وقف واردات فول الصويا الأميركية، وسيلة سهلة نسبياً ومنخفضة التكلفة، لممارسة مزيد من الضغط على إدارة ترامب، وذلك قبيل الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأميركي والزعيم الصيني شي جين بينغ، في كوريا الجنوبية في وقت لاحق من هذا الشهر.

وفي حين يكثّف المزارعون الأميركيون ضغوطهم على الرئيس ترامب، لإعادة فتح السوق الصينية أمام محاصيلهم، لا تواجه بكين أي ضغط داخلي مماثل، يدفعها لاستئناف الشراء من الموردين الأميركيين، وهو ما يمنحها ورقة تفاوض قوية في المباحثات المقبلة، بحسب تقرير أعدته “واشنطن بوست”، واطّلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.

وفي خضم ذلك، لجأ الرئيس ترامب إلى منصّاته على وسائل التواصل الاجتماعي، ليصف قرار الصين بوقف شراء محاصيل فول الصويا من المزارعين الأميركيين بأنه عمل عدائي اقتصادي، مشيراً إلى أن بلاده تدرس الرد عبر تعليق واردات زيت الطهي من الصين.

غير أن الرئيس ترامب عاد لاحقاً ليؤكد رغبته في أن تستأنف الصين مشترياتها من فول الصويا إلى مستوياتها السابقة، معبّراً عن قناعته بأن بكين مستعدة للتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.

بكين وواشنطن في مسار صدامي جديد

بماذا تستخدم الصين فول الصويا؟

تستهلك الصين فول الصويا أكثر بكثير من أي دولة أخرى في العالم، لكنها تنتج أقل من خُمس احتياجاتها منه.

ويستخدم فول الصويا المستورد إلى الصين في الغالب لتغذية أعداد هائلة من الخنازير والدجاج وغيرها من الماشية، حيث شكّل فول الصويا 13 في المئة من علف الحيوانات في عام 2023 في الصين.

كما يُستخدم معظم فول الصويا المستورد إلى الصين كزيت للطهي، حيث يُفضل المنتجون الصينيون الواردات الأميركية أو البرازيلية.

من يزود الصين بفول الصويا بدلاً من أميركا؟

بذلت الصين جهوداً حثيثة للحد من اعتمادها على واردات فول الصويا الأميركي، خصوصاً بعد انتهاء النزاع التجاري الذي شهدته ولاية ترامب الأولى عام ٢٠٢٠، عندما وافقت بكين على شراء منتجات أميركية بقيمة ٢٠٠ مليار دولار، بما في ذلك فول الصويا.

ومنذ ذلك الحين، حثت بكين المزارع الصينية على تعزيز إنتاجها المحلي وتوسيعه، وأطلقت برامج تجريبية للمحاصيل المعدلة وراثياً التي كانت محظورة سابقاً.

ولكن بسبب محدودية الأراضي الزراعية المناسبة وتزايد الطلب، لا تزال الصين بعيدة كل البعد عن تحقيق أهدافها، في تلبية نصف احتياجاتها من فول الصويا من المحاصيل المحلية، وهي لذلك ستعتمد على الواردات لسنوات قادمة، وفقاً للمحللين.

تُعتبر البرازيل، أكبر مُصدّر لفول الصويا في العالم، المستفيد الأكبر من توقف الصين عن شراء فول الصويا الأميركي.

فعادةً ما كانت الصين تستورد فول الصويا من البرازيل بين مارس ويونيو من كل عام، ثم تعتمد على الولايات المتحدة في باقي أشهر السنة.

ولكن هذا العام، بدلاً من التوجّه إلى المزارع الأميركية، واصلت الصين شراء فول الصويا من البرازيل، إذ بلغت وارداتها من هناك 4.7 مليار دولار في أغسطس، واستمر الاتجاه ذاته في سبتمبر مع استيراد 7.2 مليون طن، أي ما يعادل نحو 93% من إجمالي صادرات البرازيل، وفقاً لبيانات الرابطة الوطنية البرازيلية لمصدّري الحبوب (Anec).

وتتجاوز جهود الصين لتأمين فول الصويا البرازيلي مجرد تقديم طلبات كبيرة، حيث استحوذت شركات صينية مملوكة للدولة على حصص في موانئ برازيلية رئيسية هي باراناغوا وأسو وسانتوس. وتتمتع شركة كوفكو، أكبر مستورد زراعي في الصين، بالحقوق الحصرية لتشغيل محطة رئيسية جديدة في ميناء سانتوس البرازيلي.

كما لا تزال بكين تسعى إلى تذليل العقبات أمام المصدرين البرازيليين للوصول إلى سوقها الشاسعة، حيث يعمل البلدان على خطط لبناء خط سكة حديد يربط البرازيل بميناء شانكاي في بيرو، مما قد يُقلل أوقات الشحن إلى آسيا بشكل كبير.

ماذا يعني هذا بالنسبة لمحادثات التجارة بين أميركا والصين؟

مع وفرة المعروض من أميركا الجنوبية، تُبدي الصين ثقتها في قدرتها على تجاهل المزارعين الأميركيين طالما كان ذلك ضرورياً للتوصل إلى اتفاق تجاري.

وكانت بكين قلقة في السابق من أن الولايات المتحدة لن تبيع فول الصويا للصين، لكن الولايات المتحدة الآن هي التي تتوق إلى شراء الصين، وفقاً لمقال نُشر على نطاق واسع على تطبيق التواصل الاجتماعي WeChat الأسبوع الماضي.

ورداً على تهديد ترامب الأخير بالرد بوقف تجارة زيت الطهي، والذي فسّره المحللون الصينيون على أنه يعني توقف الولايات المتحدة عن شراء الزيوت المستعملة التي يمكن تحويلها إلى ديزل حيوي، أعلنت صحيفة غلوبال تايمز المملوكة للدولة الصينية أنه لا يوجد نقص في مشتري زيت الطهي المستعمل الصيني.

ويدعم هذه النبرة المتحدية مخزونات الصين الضخمة، فقد سجلت وارداتها من فول الصويا رقماً قياسياً في مايو، وارتفعت بنسبة 5.3 في المئة على أساس سنوي بين يناير وسبتمبر لتصل إلى 95 مليون طن، وفقاً لهيئة الجمارك الصينية.

الاتفاق لن يعوّض الخسائر

وقد عزز تركيز ترامب على مشتريات فول الصويا، اعتقاد بكين بأن هذه طريقة سهلة للضغط على الولايات المتحدة بتكاليف منخفضة محلياً، حيث يقول جاك تشانغ، مدير مختبر الحرب التجارية بجامعة كانساس، إن جزءاً من الحسابات هو أن الولايات المتحدة ستتفاوض بشأن هذه المخاوف الصغيرة، وإن كانت مُلحة، وستتنازل عن بعض القضايا الهيكلية الأكبر التي تُثير قلق الصين، وتشمل هذه القضايا ضوابط التصدير الأميركية على رقائق الكمبيوتر المُتقدمة.

ولكن حتى لو تم التوصل إلى اتفاق هذا الشهر، فقد يكون الأوان قد فات بالنسبة للمزارعين الأميركيين لتعويض الطلبات المفقودة بالفعل. وبحسب لوك، المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن الصين في وضعٍ جيد للغاية، وهي تريد حقاً حلّ هذه المسألة، ولكن حتى لو بدأت في تقديم الطلبات في اليوم التالي للقاء شي وترامب المرتقب في كوريا الجنوبية في وقت لاحق من هذا الشهر، فإن مزارعي فول الصويا في الولايات المتحدة ربما يكونوا قد خسروا نصف الموسم.

سياسات زراعية جديدة

ويقول الخبير الاقتصادي محمد الحاج في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الخطوة التي قامت بها الصين تُظهر قوة أدوات الاقتصاد غير المباشرة، حيث تم استخدام سلعة عادية وهي فول الصويا، كوسيلة ضغط سياسية واقتصادية منخفضة التكلفة، لافتاً إلى أن الهدف الصيني ليس التسبب بأضرار جسيمة مباشرة للولايات المتحدة، بل في خلق حالة من الإحباط والتأجيل لمزارعي فول الصويا الأميركيين، الأمر الذي يزيد من نفوذ الصين في المفاوضات القادمة، حيث أنّ هذه الاستراتيجية تتماشى مع مفهوم “الضغط الهيكلي” الذي يستخدم الموارد الاقتصادية الحيوية، كأدوات لتحقيق مكاسب سياسية أو تجارية.

ويرى الحاج أن القرار الصيني بالتوقف عن شراء فول الصويا الأميركي، يسلّط الضوء على نقطة ضعف استراتيجية في السياسات الزراعية الأميركية، ويبرز الحاجة الملحّة لإعادة التفكير في مرونة الأسواق الزراعية للبلاد، فاعتماد المزارعين الأميركيين على شريك واحد رئيسي، يجعلهم عرضة لصدمات خارجية مفاجئة، ويضع قطاعاً حيوياً في موقف هش، ولهذا يصبح من الضروري تطوير أميركا لسياسات زراعية ولوجستية جديدة، تهدف إلى تقليل هذا الاعتماد على سوق واحد، سواء كان ذلك عبر تنويع الأسواق التصديرية، أو حتى عبر تبني أهداف زراعية جديدة.

ترامب يحتفظ بورقة ضغط

ويؤكد الحاج أنه حتى الآن لا يمكن تأكيد اللقاء بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ الأسبوع المقبل، حيث تبقى كل الاحتمالات واردة حتى آخر لحظة، فالصين استخدمت ورقة فول الصويا كنوع من “الفدية” لتحرير الضغط الأميركي عن بعض قطاعاتها الحيوية، وتعلم جيداً أثر هذه الخطوة على المزارعين الأميركيين، بدوره يدرك الرئيس ترامب تماماً ما تفعله بكين، لكنه يسعى أيضاً لتحقيق أهدافه والوصول إلى صفقة وفق رؤيته، وبالتالي ومع علمنا المسبق بالطريقة التي يُفكر فيها الرئيس الأميركي، فإن ترامب يخفي في جيبه ورقة ضغط قوية يمكنه استخدامها عند الحاجة في أي مفاوضات مباشرة.

الصين تبحث عن الأمان

من جهته يقول تاجر الحبوب والزيوت سليم عمر، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن التحوّل الواضح الذي قامت به الصين نحو موردين بديلين لفول الصويا، يعكس إدراكاً استراتيجياً عميقاً منها، فالولايات المتحدة أصبحت مورّداً لا يُمكن التنبؤ بسلوكه، بسبب سياسات الرسوم الجمركية والتقلبات السياسية، وهذا يعني أن بكين لم تعد ترى في فول الصويا الأميركي، مجرد سلعة غذائية، بل أداة تحمل مخاطر سياسية، ومن هنا فإن اعتماد الصين على موردين آخرين، يقلل من تعرضها للابتزاز الاقتصادي ويمنحها قدرة أكبر على التحكم في سلسلة الإمداد، ما يضع الولايات المتحدة في موقف تفاوضي أضعف في أي مفاوضات مستقبلية.

ويشدد عمر على ضرورة عدم إغفال حقيقة، أن الرسوم الجمركية الأميركية، ألغت ميزة الأسعار التي كان يتمتع بها فول الصويا الأميركي، ما دفع الصين إلى البحث عن بدائل أكثر كفاءة وربحية، حيث سيستفيد المصدرون الآخرون من البرازيل والأرجنتين، من حصة أكبر في السوق الصينية، كاشفاً عن أن المعلومات المتوفرة من الصين تشير إلى أن الادارة السياسة في البلاد، مستعدة لتجميد مشترياتها من فول الصويا الأميركي حتى نهاية 2025 وذلك لتعزيز موقفها التفاوضي.