دمار في مدينة غزة إثر هجوم إسرائيلي، 20 أغسطس 2025 (الأناضول)
قالت حركة حماس إن إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي البدء بعملية (عربات جدعون 2) ضد مدينة غزة وقرابة المليون من سكانها والنازحين إليها، واعتزام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المصادقة عليها اليوم الخميس “يمثّل إمعاناً في حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من اثنين وعشرين شهراً، واستهتاراً بالجهود التي يبذلها الوسطاء للوصول إلى وقفٍ للعدوان وتبادلٍ للأسرى”.
وأضافت حماس في تصريح صحافي الأربعاء: “في الوقت الذي أعلنت فيه الحركة موافقتها على المقترح الأخير الذي قدّمه الوسطاء، تصرّ حكومة الإرهاب الصهيونية على المضي في حربها الوحشية ضد المدنيين الأبرياء، بتصعيد عملياتها الإجرامية في مدينة غزة، بهدف تدميرها وتهجير أهلها، في جريمة حرب مكتملة الأركان”، مؤكدة أن “تجاهل نتنياهو مقترح الوسطاء وعدم رده عليه، يثبت أنه المعطّل الحقيقي لأي اتفاق، وأنه لا يأبه لحياة أسراه وغير جاد في استعادتهم”.
وأكدت الحركة “أن ما يسمى عملية “عربات جدعون 2” ستفشل كما فشلت سابقاتها من العمليات العسكرية، ولن يحقق الاحتلال أهدافه منها”، وأن “احتلال غزة لن يكون نزهة”. وختمت: “أمام هذا التعنّت الصهيوني، فإننا ندعو الوسطاء إلى ممارسة أقصى الضغوط على الاحتلال لوقف جريمة الإبادة والتجويع ضد شعبنا الفلسطيني، ونحمّل الاحتلال والإدارة الأميركية كامل المسؤولية عن تداعيات هذه العملية الإجرامية التي تستهدف تدمير ما تبقّى من مقومات الحياة في غزة”.
ويأتي ذلك بينما أمر نتنياهو الأربعاء باحتلال غزة بشكل أسرع مما كان مخططاً له سابقاً. وفي تدوينة على حسابه بمنصة “إكس”، أشار مكتب نتنياهو إلى أن الأخير وقبيل الموافقة على خطط احتلال مدينة غزة “وجه بتقليص الجداول الزمنية” للخطط بدعوى السيطرة على “معاقل حماس الأخيرة وهزيمتها”. وأضاف المكتب: “رئيس الوزراء يعبّر عن تقديره الكبير لمقاتلي الاحتياط الذين جرى استدعاؤهم ولعائلاتهم، ولكل جنود الجيش الإسرائيلي”.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه الوسطاء منذ أكثر من 48 ساعة رد تل أبيب على مقترح التهدئة بقطاع غزة، تجاهل نتنياهو ذلك، موجهاً بتسريع احتلال مدينة غزة، وسط تحذيرات دولية من أن يؤدي ذلك إلى تدمير كامل للقطاع وزيادة معاناة الفلسطينيين وتهجيرهم. وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، أن القوات الإسرائيلية احتلت بالفعل ضواحي مدينة غزة، لكن لا يزال من غير الواضح متى سيبدأ الهجوم البري الشامل.
ووافق وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في وقت سابق، على استدعاء نحو 60 ألف جندي احتياطي إضافي للسيطرة على مدينة غزة. وذكرت تقارير إعلامية أنه من المقرر إجلاء سكان أكبر مدينة في قطاع غزة إلى مخيمات للاجئين، وسط القطاع المحاصر بحلول مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وفي 17 مايو/ أيار الماضي، أطلق الجيش عملية عسكرية ضد الفلسطينيين بالقطاع تحت مسمى “عربات جدعون” رغم إقرار سياسيين إسرائيليين وعسكريين سابقين بفشلها، وادعاء الجيش بأنه سيطر عبرها على “75% من قطاع غزة”. وتتزايد المخاوف الدولية من إقدام إسرائيل على إعادة احتلال غزة، في ظل حديث نتنياهو قبل أيام عن “هجوم درسدن”، وأنه بإمكان الجيش أن يقصف غزة كما قصف الحلفاء مدينة درسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
وفي سياق متصل، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إن “المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) سيجتمع غداً (الخميس) للموافقة على خطط الجيش الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة”، والتي سبق أن وافق عليها كاتس، بحسب ما نقلت “الأناضول”. وأردفت الصحيفة: “بالتوازي، تتواصل خلف الكواليس الاتصالات بشأن صفقة المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين بغزة)، حيث إن نتنياهو أقل رغبة في صفقة جزئية كانت حماس قد وافقت عليها، لكنه لم يغلق الباب أمامها نهائياً بعد”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر كبير في الحكومة الإسرائيلية لم تسمه قوله إن “نتنياهو الآن أقل رغبة في صفقة جزئية. هو يفهم أن الصفقة الجزئية ليست أمراً صحيحاً، ويدرك أنه سيكون من الصعب جداً استئناف القتال بعد 60 يوماً من وقف إطلاق النار”. وتابع المصدر: “الأميركيون يتوقعون أيضاً إنهاء القتال (حال إبرام صفقة جزئية)، ونتنياهو يدرك أنه سيجد صعوبة في الحصول على دعمهم إذا حاول استئناف القتال”. وقالت الصحيفة: “من وجهة نظر نتنياهو، فإن احتلال مدينة غزة يمكن أن يشكّل رافعة ضغط كبيرة على حماس للموافقة على صفقة شاملة وفق شروط إسرائيل: نزع سلاح حماس ونفي قادتها وعدم مشاركة الحركة في الحكم المستقبلي”.
إلى ذلك، حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن العملية العسكرية الواسعة التي تخطط إسرائيل لشنها على مدينة غزة تنذر بكارثة إنسانية أشد فداحة، في ظل منع قوات الاحتلال الطواقم الطبية من الوصول إلى العالقين خلال هذه العمليات. وقال هشام مهنى، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، في تصريح له، إن القيود التي يفرضها الاحتلال تحول دون حصول المدنيين على الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية الأساسية، مؤكداً أن المساعدات التي دخلت خلال الأسابيع الماضية لم تكن كافية لمعالجة الأزمة، بسبب حالة الفوضى التي تعوق وصولها إلى غالبية السكان الذين يعتمدون بشكل كامل على الدعم الخارجي.
وأضاف أن المستشفيات في القطاع تعمل جزئياً فقط نتيجة النقص الحاد في المستلزمات الطبية والوقود، مما جعلها عاجزة عن التعامل مع الأعداد المتزايدة من المرضى والمصابين، في وقت تتفاقم فيه الأوضاع الصحية بسبب البيئة المحيطة بهم. وأشار مهنى إلى أن حجم الدمار في مدينة غزة بات “أكبر بكثير مما كان عليه في بداية الحرب عام 2023″، حيث يضطر آلاف السكان إلى المبيت في الشوارع المدمرة أو داخل خيام مؤقتة بعد أن فقدوا منازلهم بالكامل.
وفي هذا السياق، دعا رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ضرورة ضمان الوصول الإنساني الآمن للمدنيين، مذكراً بأن قوات الاحتلال منعت في عمليات سابقة الطواقم الطبية من إنقاذ المصابين، الأمر الذي أجبر بعض العائلات على دفن ذويها داخل منازلها، فيما قضى آخرون تحت أنقاض منازلهم.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أكد في وقت سابق الأربعاء أن العائلات في قطاع غزة “لا تواجه الجوع فقط، وإنما الموت جوعاً”، موضحاً أن معدلات سوء التغذية في القطاع تجاوزت مستويات الطوارئ، واصفاً إياها بـ”القاتل الصامت”، وشدد على الحاجة الملحة لتأمين وصول آمن للمساعدات الإنسانية.