
الملابس الصينية
تكشف الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على السلع الصينية، وجهاً جديداً من الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، بعدما بدأت انعكاساتها تمتد إلى أسواق أخرى بعيداً عن واشنطن وبكين.
تمهد تلك الموجة من القيود التجارية لإعادة تشكيل خريطة تدفقات التجارة في واحدة من أكثر القطاعات حيوية، وهي صناعة الملابس، إذ تُظهر التطورات الأخيرة أن السياسات الحمائية الأميركية دفعت المصنعين الصينيين إلى البحث عن أسواق بديلة لتصريف منتجاتهم، وسط تغيرات سريعة في موازين الكلفة والطلب العالمي. ومع انكماش الصادرات نحو الولايات المتحدة، برزت أوروبا كوجهة جديدة تستقطب جانباً متزايداً من الإنتاج الصيني.
في هذا السياق، وفق هيئة صناعة النسيج الأوروبية، فإن:
- صادرات الصين من المنسوجات إلى الاتحاد الأوروبي ارتفعت بشكل كبير مع قيام المصنعين المتضررين من الرسوم الجمركية الأميركية الثقيلة بإعادة توجيه البضائع إلى أوروبا.
- بحسب بيانات يوروتكس التي نشرتها صحيفة “فايننشال تايمز”، فإن واردات الاتحاد الأوروبي من الملابس والمنسوجات الصينية ارتفعت بنسبة 20 بالمئة من حيث القيمة والحجم في النصف الأول من عام 2025، مقارنةً بالعام الماضي.
- يُعزى معظم هذا الارتفاع في القيمة إلى زيادة واردات الملابس الرخيصة بنحو ملياري يورو.
ونقلت الصحيفة عن رئيس يوراتكس، ماريو خورخي ماشادو، قوله: “نتحدث عن حرب الرسوم الجمركية هذه، ونلاحظ انخفاضاً في صادرات الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية.. ونشهد تصدير كميات كبيرة منها إلى أوروبا، ولكن هذا يرتبط أيضاً بانخفاض أسعار السلع التي نستوردها”.
ووفق التقرير، فإن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية امتد ليقترن بتباطؤ الاتحاد الأوروبي في تقليص عدد الطرود المتدفقة إلى التكتل من بائعين عبر الإنترنت مثل “تيمو” و”شي إن”.
وقد اقترحت المفوضية الأوروبية إلغاء حد الإعفاء الجمركي البالغ 150 يورو، الذي يسمح بدخول الطرود إلى الاتحاد دون رسوم إذا كانت قيمتها دونه، واستبداله بفرض رسم موحد قدره يوروين على الطرود التي تقل قيمتها عن 150 يورو. بينما يتعين أن توافق الدول الأعضاء على هذا التعديل قبل أن يصبح قانوناً.
قطاع الملابس
من برلين، يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على واردات الملابس والنسيج من الصين وعدد من الدول الآسيوية خلال الفترات الأخيرة، أدّت إلى إعادة توجيه واسعة في تدفقات التجارة العالمية داخل هذا القطاع الحيوي.
- القيود التجارية الأميركية ترفع تكلفة دخول المنتجات الصينية إلى السوق الأميركية، ما تسبب في تراجع صادرات الصين بشكل ملحوظ، وانخفاض حصتها في سوق الملابس الأميركية.
- هذه التطورات دفعت المنتجين الصينيين إلى تحويل صادراتهم نحو أوروبا والأسواق الناشئة لتعويض خسائرهم.
ويضيف: الاتحاد الأوروبي أصبح المستفيد الأكبر من هذا التحول؛ إذ شهد زيادة في وارداته من الملابس والنسيج الصيني، وخاصة في الأسواق الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا، نتيجة الضغط الذي أحدثه تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة.
ويبيّن الخفاجي أن هذا التحول يعكس نموذجاً واضحاً لتحويل مسارات التجارة الدولية، حيث تسعى الشركات الصينية إلى كسب أسواق جديدة عبر تقديم أسعار تنافسية، الأمر الذي يفرض ضغوطاً متزايدة على صناعة الملابس الأوروبية ويثير مخاوف من تراجع تنافسيتها أمام تدفق المنتجات الآسيوية منخفضة التكلفة.
كما يشير إلى أن حالة الغموض التجاري العالمي دفعت العديد من العلامات الدولية إلى تنويع مواقع إنتاجها عبر نقل جزء من عمليات التصنيع إلى دول آسيوية أخرى مثل فيتنام وبنغلادش وكمبوديا والهند، في محاولة لتقليل الاعتماد على السوق الصينية وتجنّب أي رسوم إضافية محتملة.
وينبه إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية أدّت إلى إعادة تشكيل خريطة تجارة الملابس العالمية، إذ دفعت المنتجين، خصوصاً في الصين، إلى البحث عن أسواق بديلة، ما أضعف القدرة التنافسية للصناعة الأميركية، وزاد من الضغوط على نظيراتها الأوروبية، وسرّع من عملية إعادة ترتيب مواقع الإنتاج في آسيا والعالم.
ألمانيا مثالاً
أظهرت دراسة أجراها معهد أبحاث التوظيف أن البضائع الصينية المرسلة إلى ألمانيا ارتفعت بأكثر من ضعف وتيرة الواردات الإجمالية في الأشهر السبعة الأولى من العام بسبب الرسوم الجمركية الأميركية التي عطلت تدفقات التجارة العالمية.
وتظهر بيانات مكتب الإحصاء الألماني أن الواردات من الصين ارتفعت في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 بنسبة 10.5 بالمئة إلى 97.6 مليار يورو (114.23 مليار دولار)، في حين زادت الواردات الإجمالية بنسبة 4.9 بالمئة من يناير إلى يوليو إلى حوالي 796.6 مليار يورو، وفق رويترز.
ويقول رئيس وحدة أبحاث التوقعات والتحليلات الاقتصادية الكلية في IAB إنزو ويبر: “لم نشهد بعدُ إغراقاً بالبضائع الصينية على نطاق واسع. ومع ذلك، هناك بعض فئات المنتجات التي يمكن ملاحظة آثارها الملحوظة”
ونتيجة للرسوم الجمركية الأميركية على السلع الصينية، قالت شركة الاستشارات Aevean إن قيمة شحنات التجارة الإلكترونية الصينية إلى الولايات المتحدة انخفضت في مايو بنسبة 43 بالمئة على أساس سنوي.
ولذلك فمن المرجح أن يحاول العديد من المصنعين الصينيين التخلص من سلعهم في أوروبا، وهو ما قد يكون بمثابة أخبار جيدة للمستهلكين الألمان، وفقا لويبر، الذي يضيف: “يمكن الحصول على السلع بأسعار أقل بفضل زيادة العرض نتيجة توقف بيع المنتجات في الولايات المتحدة. وبالتالي، سيضطر المستهلكون المحليون إلى دفع مبالغ أقل”.
إعادة توجيه الصادرات
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro ميشال صليبي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن تأثير فرض تعريفات جمركية مرتفعة من قبل إدارة ترامب على التجارة العالمية يُعد معقداً ومتعدد الأوجه، لأن هناك العديد من العوامل التي تتداخل في تشكيله.
ويضيف أن هذه التأثيرات يمكن تلخيصها من خلال عدة آليات رئيسية توضّح كيفية تغيّر خريطة التصدير والاستيراد عالمياً، على النحو التالي:
- القدرة التنافسية في السوق الأميركية تتراجع؛ لأن الرسوم الجمركية ترفع تكلفة دخول المنتجات الأجنبية، مما يقلل الطلب عليها، أو يضطر الشركات إلى خفض هوامش أرباحها أو حتى التوقف عن التصدير إلى الولايات المتحدة.
- المصدرون الذين يفقدون حصتهم في السوق الأميركية؛ نتيجة التعريفات يبحثون عن أسواق بديلة مثل أوروبا أو آسيا أو إفريقيا.
- التقارير الأخيرة تشير إلى ارتفاع صادرات الملابس الصينية إلى أوروبا بشكل ملحوظ بعد تراجع صادراتها إلى الولايات المتحدة.
- سلاسل التوريد تشهد إعادة ضبط واسعة، إذ تسعى الشركات والعلامات التجارية الأميركية إلى تقليص اعتمادها على الموردين في الدول الخاضعة للتعريفات، وتوزيع مشترياتها على دول بديلة أقل تأثرًا، خصوصًا في آسيا وإفريقيا، لتفادي دفع رسوم مرتفعة على المنتجات النهائية أو مكوناتها.
ويشدد على أن التنافسية الدولية تتأثر أيضاً؛ فحين تتجه صادرات من دولة ما نحو أسواق جديدة بأسعار منخفضة لتعويض خسائرها، يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على المنتجين المحليين في تلك الأسواق بسبب فروقات الأسعار.
ويختتم صليبي حديثه بالتأكيد على أن الدول النامية الصغيرة التي تعتمد بشكل كبير على تصدير الملابس إلى الولايات المتحدة ستكون الأكثر تضرراً، إذ قد تواجه تراجعاً في الطلب واضطراراً لتنويع أسواقها، ما ينعكس سلبًا على العمالة في هذه الدول بشكل مباشر وواضح.
طاهر: تحفيزات الصين ستركز على قطاع التكنولوجيا