الرئيسية

غذاء المصريين المغموس في الغاز الإسرائيلي السام



بإبرام صفقة الـ 35 مليار دولار الأخيرة، يدخل الغاز الإسرائيلي بيوت وحواري المصريين بلا استئذان أو خجل ولسنوات طويلة تمتد إلى عام 2040، وتُغذَّى مصانعهم وشركاتهم الإنتاجية بالوقود الأزرق القادم من دولة الاحتلال، والذي يوفر أيضاً احتياجات شركات ومحطات إنتاج وتوليد الكهرباء. ويصبح هذا الغاز المنهوب من حقول وثروات الفلسطينيين وجبة يومية مفروضة على المصريين جميعا سواء في أكلاتهم الشعبية، أو أدوات إنتاجهم، أو إضاءة منازلهم ومكاتبهم، أو حتى تغذية وسائل النقل التي باتت تعمل بالغاز الطبيعي.

أنت بصفتك مستهلكاً مصرياً عندما تتناول “ساندويتش” فول وطعمية أو أي وجبة شعبية أخرى مثل الكشري وغيرها، تذكّر على الفور أن إعداده وتجهيزه من صاحب المحل البسيط ربما يكون قد تم بواسطة غاز إسرائيلي تدفق على مطاعم ومحال وأسواق مصر التجارية، طبقاً للصفقة الأخيرة المبرمة بداية الشهر الجاري، وربما تم إعداد وجبة الفطور السريعة بغاز منتج محلياً، أو غاز طهي مستورد من قبرص أو الجزائر أو من دول الخليج أو غيرها من الدول التي باتت تنظر لمصر على أنها سوق استهلاكي ضخم ومنجم ذهب لمصدري ومنتجي الطاقة.

يصبح هذا الغاز المنهوب من حقول وثروات الفلسطينيين وجبة يومية مفروضة على المصريين سواء في أكلاتهم الشعبية، أو أدوات إنتاجهم، أو إضاءة منازلهم ومكاتبهم

وتذكر أيضاً أن الوقود الموجود في الخط المغذي لمطعم صغير واقع في حي شعبي، ربما جرت تغذيته من الغاز القادم من حقلي ليفاثيان أو تمار الإسرائيليين، أو من حقول أخرى، فمصادر التوريد باتت متداخلة ومتعددة ومجهولة المصدر، وصاحب المحل والمستهلك لا يعرف يقيناً ما مصدر الوقود الذي يستخدمه داخل مطعمه أو محله حتى يرفضه أو يقبله، لكن الجميع بات يدرك أن أضخم تلك المصادر هو ذلك الأنبوب القادم من حقول غاز دولة الاحتلال القابعة في منطقة شرق البحر المتوسط، وتقع على بعد ما يزيد عن المائة كيلومتر من المياه الإقليمية المصرية.

وكونك مواطناً مستهلكاً للغاز بشكل مباشر، فعندما تشعل مصباح الإضاءة أو جهاز التكييف في بيتك في المساء أو البوتاغاز لإعداد كوب شاي أو حتى طهي وجبة طعام، تذكر على الفور أنه ربما يكون قد جرى تغذية كل ذلك بواسطة الغاز الإسرائيلي المنهوب، والذي بات يغذي محطات وشركات توليد وإنتاج الكهرباء والطاقة في مصر بجزء مهم من احتياجاتها من الوقود.

وأنت أيها العامل، تذكر أن عدداً من مصانع الأسمدة أو الإسمنت والحديد والبتروكيمياويات والسيارات، وغيرها من المصانع كثيفة استهلاك الطاقة، التي تذهب للعمل فيها وتقع في قلب أكبر مدن صناعية في السادس من أكتوبر أو العاشر من رمضان أو برج العرب وبني سويف ونجع حمادي، ربما تغذَّى بالغاز المستورد من إسرائيل، وإن رفض ذهنك هذه الفرضية فتذكر على الفور كيف أن تلك المصانع أوقفت نشاطها وإنتاجها عقب توقف دولة الاحتلال عن توريد الغاز لمصر في فترات مختلفة خلال العامين الماضيين، خاصة خلال فترة الحرب الإسرائيلية الإيرانية في يونيو/ حزيران الماضي، أو خلال الموجهات بين جيش الاحتلال وحزب الله.

مصر تدحرجت بسرعة نحو مصيدة الغاز الإسرائيلي، والذي بات يهدد أمنها القومي والاقتصادي والطاقوي بشكل مباشر

إذا كان عقلك يرفض تصديق أن الغاز الإسرائيلي بات يدخل بيوت المصريين مباشرة، ويغذي بعض مصانعهم بالوقود، فما عليك إلا أن تراجع التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين في مقدمتهم بنيامين نتنياهو، لتكتشف أن الغاز الإسرائيلي مفروض على المصريين حتى هؤلاء الرافضين التطبيع بكل أشكاله مع دولة الاحتلال، بما فيه التطبيع الاقتصادي والتجاري، وأن جزءاً كبيرا من الغاز المستورد من تل أبيب يوجه للاستهلاك المحلي، وأكبر دليل انقطاع الكهرباء وتوقف مصانع كبرى عن الإنتاج في أوقات سابقة في حال توقف تدفق هذا الغاز، وتلاشي الحديث عن الاكتفاء الذاتي من الغاز، وحاجة البلاد إلى نحو مليارَي قدم مكعبة إضافية، والتراجع الحاد في إنتاج حقل ظهر، كما أن مصر بات لديها عجز بنسبة 45% في الغاز، يتم تغطيته من خلال 30% من الغاز المسال و15% من خطوط الغاز الإسرائيلي الذي يتم ضخه عبر الأنابيب.

مصر تدحرجت بسرعة نحو مصيدة الغاز الإسرائيلي، والذي بات يهدد أمنها القومي والاقتصادي والطاقوي بشكل مباشر، وأكبر دليل هو نشوة حكومة إسرائيل بالإعلان عن توقيع أكبر صفقة لتصدير الغاز إلى الأسواق المصرية بقيمة 35 مليار دولار وتتضمن تزويدها بـ130 مليار متر مكعب من الغاز بين عامي 2026 و2040، وأن ما كان يسمى خط الغاز العربي بات ينقل جزءاً من واردات الغاز الإسرائيلي إلى مصر عبر الأردن، وأن ما روِّج في سنوات سابقة من أن الغاز الإسرائيلي سيوجه بالكامل نحو التصدير إلى أوروبا، في إطار مشروع تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة، هو كلام غير دقيق وللاستهلاك المحلي، وربما بهدف خداع المصريين لتمرير أكبر صفقة لدخول غاز الاحتلال بيوتهم ومصانعهم بلا اعتراض، وأن توقف تدفق هذا الغاز يمكن أن يشل قطاعات حيوية منها الصناعة والكهرباء، بل ونشر العتمة في شوارع مصر. ولنتذكر ما قاله وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، اليوم الأربعاء من إن الصفقة الأخيرة لتصدير الغاز إلى مصر تثبت اعتماد جيران إسرائيل عليها.