ترامب خلال لقاء نتنياهو في البيت الأبيض، 7 يوليو 2025 (فرانس برس)
استأثر المقترح القطري المصري الجديد لوقف إطلاق النار في غزة باهتمام ملحوظ، رغم طغيان حرب أوكرانيا من خلال قمتي ألاسكا والبيت الأبيض، على المشهد في واشنطن، خاصة أنه نال موافقة حركة “حماس”، وبذلك جرى تناوله من باب أنه قد تكون فرصة للتوصل إلى اتفاق بشأنه، ولا سيما أن طرحه جاء في وقت يتزايد فيه منسوب الضغط المحلي على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن المحتجزين، فضلاً عن الاعتراض الذي أعربت عنه القيادة العسكرية الإسرائيلية على احتلال كامل القطاع، يضاف إلى ذلك أن انشغال البيت الأبيض شبه الكامل بموضوع أوكرانيا وحتى إشعار آخر، قد يحمله على الدفع باتجاه وقف النار ولو بوصفه مخرجاً مؤقتاً مطلوباً في هذه اللحظة.
وكشفت ردود الإدارة أنها ليست في وارد مغادرة نهجها في التعامل مع غزة التي سبق أن تركت أمر التعامل مع حربها لنتنياهو، بعد أن طرحت من البداية حل ترحيل سكانها والذي صار الحديث عنه مؤخراً خياراً متداولاً على المكشوف. حول هذا المشروع، قال مصدر رسمي (نائب المتحدث في الخارجية تومي بيغوت، لكن من دون ذكر اسمه لأنه كان يتحدث في أثناء دردشة غير رسمية)، أن الإدارة ليس لديها ما تدلي به إزاء المقترح، أكثر مما قاله الرئيس ترامب الاثنين حول ضرورة مواجهة حماس بوصفها “السبيل الوحيد لإطلاق سراح الرهائن”. وأضاف أن الإدارة تُرجئ إعلان موقفها رسمياً في هذا الخصوص بانتظار إعلان الحكومة الإسرائيلية ردها عليه. وهذا ليس بجديد، بل هو إعادة تأكيد حرصها على أن يأتي موقفها في ما يتعلق بغزة، متناغماً مع سياسة الحكومة الإسرائيلية، وكان ذلك واضحاً في أكثر من محطة، خاصة في الشهرين الأخيرين.
في يوليو/تموز الفائت، قال الرئيس ترامب إن إسرائيل “وافقت على الشروط الضرورية” لإنجاز اتفاق وقف النار لمدة 60 يوماً وإن إدارته ستعمل خلال هذه المدة، مع سائر الأطراف المعنية، مع دخول أغسطس الجاري بدأت إشارات التراجع تتوالى، إذ كشف المبعوث ستيف ويتكوف خلال لقاء مع عائلات المحتجزين، أن الإدارة باتت تحبذ وتدعو إلى إخلاء سبيل المحتجزين “دفعة واحدة” وليس على مراحل، معللًا لك بأن تجزئة هذا الموضوع “لا تنفع”، ومن ثم إما صفقة كاملة وإما لا صفقة. وهو بذلك كان يكشف مسبقاً عن توجه نتنياهو الذي أعلن الاسبوع الماضي أن إسرائيل “لم تعد مهتمة بصفقة تؤدي إلى الإفراج عن قسم من الرهائن”، مشدداً على أن العمل باتجاه تجزئة الحل “صار وراءنا “. وكان آنذاك نتنياهو قد بدأ في ترويج البديل العسكري الذي بدا كلام ويتكوف بمثابة موافقة ضمنية عليه وبما يعني أن “أهل مكة أدرى بشعابها”.
وكانت إدارة بايدن قد سلكت عملياً الطريق نفسه، في الخطاب كانت تقول شيئاً وعلى الأرض تتصرف بنقيضه، بينما احتفظ نتنياهو بالمبادرة آنذاك، وكان البيت الأبيض يكتفي بالتعبير عن “الضيق” من سلوكه، وما زالت هذه المعادلة مستمرة. اليوم التعبير عن مثل هذا الضيق أخف، بل يكاد يكون بلا أثر، وبالتأكيد بلا مفعول. العطب ذاته تشكو منه سياسة ترامب الأوكرانية، إذ أعرب ترامب أكثر من مرة عن ضيقه من الرئيس بوتين وإصراره على مواصلة الحرب وتصعيدها إلى أن جاءت قمة ألاسكا ليتبخر الضيق ويحل مكانه الارتياح. ثم تلتها قمة البيت الأبيض مع الأوروبيين وما رافقها من إشارات لتوحي بأن المبادرة بدأت تنتقل باتجاه ” الناتو ” بقيادة واشنطن.
ورغم ذلك، لم يتأخر الوقت قبل أن تبدأ تلميحات التراجع تتضح، خاصة لجهة “الضمانات الأمنية” المطلوب توفيرها لأوكرانيا بمشاركة أميركية، في حال التوصل إلى تسوية سلمية للحرب. وفي ذلك إعادة تأكيد أن المبادرة في حرب أوكرانيا كانت قبل القمتين وما زالت بيد بوتين. كذلك هي الحال في غزة حيث كان وما زال قرار الحرب بيد نتنياهو، وفي ذلك بحسب العارفين والمتابعين، لواشنطن من الدور، خاصة في حرب غزة. وهذا ما يفسر عدم تمكن الرئيس ترامب من وقف الحربين في ظرف يوم أو شهر كما وعد في حملته الانتخابية.