
قيدت الحكومة السودانية (لجنة الطوارئ الاقتصادية) هذا الأسبوع تجارة الذهب ضمن إجراءات إنقاذية عقب تدهور قيمة الجنيه السوداني وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق بما أثار حفيظة المواطنين.
واعتمدت الحكومة قرارات وصفتها بالنوعية لدعم استقرار العملة، منعت من خلالها استيراد البضائع إلا بعد استيفاء كامل الضوابط والإجراءات المصرفية والتجارية، وحظر دخول أي بضائع لا تستوفي الشروط والمواصفات المعتمدة، كذلك تفعيل دور قوات مكافحة التهريب وتمكينها من الوسائل والمعينات اللازمة لأداء مهامها بكفاءة عالية، وإنفاذ القوانين والتشريعات الخاصة بمكافحة التهريب بحيث تعد حيازة الذهب أو تخزينه من غير مستندات رسمية جريمة تهريب بغض النظر عن الموقع.
وشددت القرارات على إخضاع الذهب المنتج محلياً للمتابعة الدقيقة حتى تصديره، ضمانًا لعدم تهريبه عبر قنوات غير مشروعة، كما حصر القرار شراء الذهب وتسويقه في جهة حكومية واحدة على أن تلتزم هذه الجهة بتوفير النقد الأجنبي اللازم للمستوردين، إلى جانب إنشاء منصة قومية رقمية لتمكين الجهات الحكومية من متابعة حركة الواردات والصادرات منذ مغادرتها موانئ الشحن وحتى وصولها إلى الموانئ السودانية.
وأمرت لجنة الطوارئ بمراجعة قرار مجلس الوزراء رقم”154″ بشأن تنظيم استيراد السيارات وضبط عمليات الاستيراد غير المقنن في الموانئ والمعابر، ومراجعة أوامر الطوارئ الصادرة من الولايات والمتعلقة بفرض جبايات غير قانونية مخالفة لقانون الحكم الاتحادي، وذلك لتخفيف الأعباء عن المواطن.
وقال رجل الأعمال معاوية أبا يزيد لـ “العربي الجديد” إنه لا توجد استراتيجية واقعية لمكافحة التهريب حيث يتم التركيز على الملاحقات القانونية بدلًا من تسهيل الإجراءات الجمركية والتجارية في ظل عدم امتلاك الدولة للإمكانات اللازمة للسيطرة على المنافذ والحدود. وأكد أبا يزيد أن تهريب المعادن أصبح يتم علنًا دون ردع حقيقي رغم معرفة الجهات المختصة بالمتورطين.
وأوضح أن البلاغات التي تفتحها النيابة عادةً لا تتعدى مواد الاشتباه بينما تلجأ نيابة الجمارك إلى البلاغات التي تغلق غالبًا بالتصالح دون وجود مستندات داعمة وبالاعتماد على تحريات ضعيفة. وسأل: “كيف نتحدث عن إصلاح اقتصادي بينما لا يستطيع أي مواطن في السودان اليوم إرسال تحويلات مالية مباشرة إلى الخارج؟”.
وفيما يخص تهريب الذهب، اعتبر أبا يزيد أن مكافحته أصبحت “شبه مستحيلة”، بسبب ضعف سيطرة الدولة على الحدود، وأضاف: لو كانت هناك سيطرة حقيقية لما شهدنا نهب المصانع والمحال التجارية في ولايتي الخرطوم والجزيرة وانتشار أسواق المنهوبات في ولاية الخرطوم، وتساءل: ماذا فعل رئيس الوزراء لحماية أموال المواطنين وهي تباع في أسواق منتشرة في ولاية الخرطوم والجزيرة؟ هل وضع الرقابة المصرفية على دخول الأموال وخروجها؟ ومن جانبها حذرت شعبة مصدري الذهب من أن هذه القرارات ستفاقم ظاهرة تهريب الذهب بدلًا من الحد منها، وستعمق الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها البلد.
أزمة الجنيه السوداني
وقال رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق إن هذه القرارات كارثية وستؤدي إلى تدمير ما تبقى من الاقتصاد السوداني المتهالك، إنها تعيد تجربة سياسات سابقة أدت إلى نتائج وخيمة.
الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان قال لـ “العربي الجديد” إن القرارات التي أصدرتها الحكومة لم تتطرق بشكل جاد لأزمة سعر صرف الجنيه السوداني والتي نتجت من مجموعة من العوامل المؤثرة مثل التضخم الناتج بدوره من ارتفاع حجم السيولة النقدية في الاقتصاد الوطني، وهو ابن شرعي لظرف الحرب حيث قلت الإيرادات وزاد الإنفاق وهناك أيضًا التضخم المتولد عن إنتاج الذهب. كل ذلك لا يقلل من دور تناقص التحويلات النقدية من المغتربين والمهاجرين بسبب هجرة أهلهم إليهم في كل أنحاء العالم، وتناقص حجم الصادرات الزراعية والحيوانية وتزايد الاحتياجات السيادية للنقد الأجنبي بفعل الحرب.
وعليه فإن أفضل شيء، وفق عثمان، هو زيادة الإيرادات بما يكافئ أو يزيد الإنفاق لتقليل ضخ السيولة النقدية في الاقتصاد السوداني وامتصاص السيولة الفائضة. ولكن المحلل الاقتصادي هيثم فتحي اعتبر أن البنك يشتري الذهب بسعر الذهب العالمي ويقيم الدولار بسعر السوق الموازي، ويدفع للمعدنيين، وأصبح المعدنيون كل يوم يرفعون سعر الدولار في السوق الموازي، ما دفع بنك السودان إلى التراجع عن احتكار تصدير الذهب. وطالب فتحي بضبط عمل وزارة التجارة والصناعة ورقمنة الوزارة والتحكم في عمليات الصادرات والواردات وتقليل العجز في الميزان التجاري، وإيجاد حوافز وسهولة ويسر في تحويلات المغتربين بالعملة الأجنبية أو بسعر تحويل عادل.
