
من أطلال معبد هرقل في قلعة عمّان، 27 يوليو 2025 (Getty)
ليست المرة الأولى التي لا تمنح المكتبة الوطنية في عمّان رقم إيداع لكِتاب، ما يضطر صاحبه لـ الموافقة على تعديلات تُطلب منه، أو يُصدر مؤلفه خارج الأردن، أو عن دار نشر محلية تتيح طباعته دون رقم إيداع. لكن سامح المحاريق اختار أن يكتب في “فيسبوك”، الأحد الماضي، ملابسات رفض مخطوط كتابه “من هم الأردنيون؟ محاولات في الأسئلة المؤجلة”، حيث رُبطت الموافقة عليه بإجراء تعديلات على النص.
وأشار في منشوره إلى أن التعديلات المطلوبة وُضعت “بناء على مراجعة لجنة (منتخبة من وزارة الثقافة)، وحيث إن التعديلات متعسفة، وبعضها يدلّ على أن اللجنة غير مطلعة على الحوار السياسي والتفاعل الاجتماعي في الأردن، أو تفضل أن نكتب بطريقة مفلترة؛ فسأقوم بنشر الكتاب في نسخة pdf بعد تنسيقه، ولن أقوم بنشره من خلال دار نشر غير أردنية، لأنني أكتب للأردنيين لا عن الأردنيين”.
رقابة برعاية رسمية
يطرح المنشور مسألتين أساسيتين؛ الأولى تتعلّق بتشكيل وزارة الثقافة لجنة لـ”تقييم” المخطوط، والتي أنهت تقريرها المكوّن من صفحتين، وحصلت “العربي الجديد” على نسخة منه، بعبارة: “يُمنح رقماً إيداعياً حسب الأصول بشرط حذف العبارات أعلاه وتقديم نسخة معدلة للجنة”. وهو ما يخالف التعديلات التي أجريت على قانون المطبوعات والنشر عام 2007، وألغت الرقابة المسبقة على الصحافة ودور النشر.
في حديثه لـ”العربي الجديد”، يبيّن المحاريق المعروف بكتاباته المنحازة للعديد من المواقف الرسمية، بأنه لا يقبل بتقييد لجانٍ يخالف تشكيلها القانون لحريته وحقه في التعبير، رغم إقراره بأن بعض الملاحظات التي أوردها تقرير الوزارة يستحق إعادة النظر بها، لكن ملاحظات أخرى من شأنها أن تغيّر بنية كتابه.
ليست المرة الأولى التي لا تمنح المكتبة الوطنية رقم إيداع
المنشورات التي أدرجها الكاتب على “فيسبوك” بعد تعليقه على رفض المكتبة الوطنية، تصبّ كلها ضمن مراجعات المحاريق لتاريخ الأردن والمنطقة، وتتضمّن تأييده لما يراه سياسة أردنية عقلانية مقابل أخطاء فادحة ارتكبتها الأنظمة العسكرية في سورية ومصر، في صراعها مع الاحتلال أو في فهمها للسياسة الدولية.
في تعريف الأردني
المسألة الثانية تتصل بإصرار الكاتب على نشر نسخة إلكترونية من الكتاب، وعدم قبوله أن يصدر عن دار نشر غير عربية. وبقدر ما يعبّر ذلك عن “واقعية” استدعت منه التصدّي لمزاودات فريق من النخبة الأردنية يرفض نقاش أي طرح حول تأسيس الأردن المعاصر، لا يأخذ بروايته الأحادية عن هوية ناجزةٍ منذ آلاف السنين، فإنه يعيد الموضوع إلى محتوى الكتاب نفسه، الذي يعالج قضايا إشكالية سياسياً وثقافياً وقانونياً.
يعود المحاريق إلى مقال كتبه الكاتب الراحل ناهض حتر عام 1995 بعنوان “من هو الأردني؟”، ليبتدئ جدل استمر حتى اليوم لم يشارك فيه إلا عدد محدود من الكتاب، لكنه أوجد تيارين متضادين، يحمل كل منهما نظرة مثالية لأردن وأردنيين وُلدوا على أرضه قبل تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، كما اقترح حتر، أو لخصومه سواء من أنصار الحكم الذين يفترضون عام 1949 أساساً لفهم الأردن، حيث منح القانون الجنسية للفلسطينيين، من لجأ منهم إلى الأردن أو من أهل الضفة الغربية بعد وحدتها مع الأردن، أو حتى المعارضين الذين يرون الأردن جزءاً من محيط عربي أكبر.
الرقيب ومحظوراته
لم يمسّ الرقيب أفكاراً جريئة طرحها الكتاب في نقض مرويات مسلّم بكثير منها عن تاريخ الأردن أيام العثمانيين، والانتداب البريطاني، وفي العلاقة مع دول عربية أعادت بشعاراتها القومية نشوء المملكة بوصفها دولة وظيفية، وأيدتها قوى يسارية أردنية، ربما لأن وجهة نظر المحاريق تنطلق من إيمانه بالدولة الأردنية.
لكن الرقابة اعترضت على ما يرتبط بضمّ الأردن للضفة الغربية، ووصف الصدام بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية بـ”أيلول الأسود”؛ الوصف الذي استخدمه الملك حسين نفسه، وكذلك تحليل العبارات والأوصاف التي يطلقها “الشرق الأردنيون” و”الأردنيون من أصل فلسطيني” بعضهم على بعض.
من يقرأ المخطوط يستشعر مدى تحفظّ المؤلف في مقاربة مسائل عديدة، وتأرجحه بين محاولة اقتراح خطاب عقلاني يمكن للسلطة أن تتبناه ذات يوم، وبين تفكيك يتخذ منهجية علمية لأحداث وشخصيات تاريخية. المفارقة أن السلطة لا تكترث لمقترحات كهذه، وتفضّل مواصلة السكوت عن سؤال من هو الأردني بإحالاته للفرد والجماعة والنظام على حدّ سواء.
