الرئيسية

خبراء أمميون يطالبون بمساءلة المتورطين في أحداث العنف في السويداء



مقاتلون دروز في السويداء بعد انسحاب القوات الحكومية، 17 يوليو 2025 (فرانس برس)

أعرب خبراء من الأمم المتحدة في بيان اليوم الخميس، عن قلقهم إزاء الهجمات المسلحة التي استهدفت دروزاً في محافظة السويداء جنوب سورية في يوليو/تموز الماضي، ودعوا السلطات إلى معاقبة المسؤولين عن أحداث العنف، التي تخللتها، وفق تقارير، عمليات قتل وإخفاء قسري وخطف ونهب وتدمير للممتلكات، إضافة إلى عنف جنسي قائم على النوع ضد نساء وفتيات. وقال الخبراء في بيانهم إنهم يشعرون بقلق بالغ بشأن الهجمات التي استهدفت الأقلية الدرزية على خلفية “معتقدها الديني وأسباب أخرى”. كما استنكروا “خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يصور الدروز خونة وكفاراً يستحقون القتل، بالإضافة إلى دعوات لخطف واستعباد الدرزيات”، بحسب البيان نفسه.

ولم يصدر بعد أي تعليق رسمي من الحكومة السورية بشأن مضامين تقرير الخبراء الأمميين بشأن السويداء.

وشهدت السويداء منتصف الشهر الماضي دورة عنف بدأت بين الدروز والبدو من سكان المحافظة، لتتدخّل القوى الأمنية والعسكرية، ما زاد الأمر تأزيماً مع تسجيل تجاوزات وحصول أعمال قتل واسعة النطاق اتخذت منها إسرائيل ذريعة للتدخل العسكري في سورية بدعوى “حماية الدروز”. ودامت اشتباكات مسلحة أسبوعاً بين القوات الحكومية ومجموعات عشائرية موالية من جهة، وفصائل درزية محلية في السويداء من جهة ثانية. ووثق تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أواخر الشهر الماضي، مقتل 1013 سورياً من المدنيين والعسكريين من مختلف الأطراف على خلفية تلك الأحداث.

وأشار الخبراء الأمميين إلى أن الاشتباكات بين المجتمعات البدوية والدرزية تصاعدت لاحقاً إلى أعمال عنف واسعة النطاق شاركت فيها مليشيات محلية وقوات تابعة للسلطات السورية وجماعات مسلحة مرتبطة بها. وطاولت الهجمات قرى في ريف السويداء، استخدمت فيها المدفعية الثقيلة والرشاشات، وتعرضت لأعمال نهب، وأسفرت عن مقتل 1000 شخص، بينهم ما لا يقل عن 539 مدنياً درزياً تم التعرف عليهم، من بينهم 39 امرأة و21 طفلاً. كما أُعدم، وفق هؤلاء الخبراء، ما لا يقل عن 196 شخصاً خارج نطاق القضاء، بينهم ثمانية أطفال و30 امرأة، فيما أُحرقت أكثر من 33 قرية.

وجاء في تقرير الخبراء الأمميين أن “حجم العنف المُبلغ عنه – بما في ذلك المجازر، ونهب المنازل والمتاجر والمواشي، واستخدام الهواتف المسروقة للابتزاز – يشير إلى حملة ممنهجة ضد الأقلية الدرزية، زاد من حدتها التحريض على الكراهية في وسائل الإعلام ومنصات التواصل التي تصوّر الدروز حلفاءَ لإسرائيل”. نقل البيان عن ناجين دروز، بينهم طلاب جامعيون في دمشق وحمص وحلب واللاذقية، أنهم يواجهون مضايقات متواصلة ويخشون على سلامتهم، مشيراً إلى “اختطاف ما لا يقل عن 105 نساء وفتيات درزيات على يد جماعات مسلحة مرتبطة بالسلطات السورية المؤقتة، ما زال 80 منهن في عداد المفقودين. بعض النساء اللواتي أُفرج عنهن لا يستطعن العودة إلى منازلهن بسبب المخاوف الأمنية، وفي ثلاث حالات على الأقل يُزعم أن نساء درزيات تعرضن للاغتصاب قبل أن يُعدمن. وما يزال 763 شخصاً، بينهم نساء، في عداد المفقودين”.

وتابع الخبراء “إن هذه الانتهاكات المُبلغ عنها تكشف عن فشل منهجي في حماية الأقليات والتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، في ظل غياب تحقيقات جادة ومستقلة ومحايدة في جرائم الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب والخطف”. وأضافوا أن “التقارير عن مشاركة قوات السلطات المؤقتة في تسهيل الهجمات عمّقت مناخ الإفلات من العقاب والخوف، وأسكتت عائلات الضحايا وأعاقت الجهود المبذولة لكشف مصير المختفين”. ووفق البيان، يراقب الخبراء أوضاع النازحين المُقدر عددهم بنحو 192 ألفاً في محافظات السويداء ودرعا وحمص، موضحين أن كثيراً من العائلات النازحة تعيش في ظروف غير صحية وبأماكن مكتظة.

ودعا الخبراء السلطات السورية إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية الأساسية للنازحين داخليا، معتبرين أنه “يجب على السلطات السورية المؤقتة السماح بإجراء تحقيقات عاجلة ومستقلة، ومحاسبة الجناة، وكشف مصير المفقودين”، مشددين على ضرورة حماية السلطات للمجتمعات الأقلية، بما فيها الدروز، ووقف التحريض على العنف، وتيسير عودة النازحين وإيجاد حلول دائمة لهم.

وحث الخبراء السلطات السورية على صون حقوق الحياة والحرية والأمن، والحماية من التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء، وتوفير حماية خاصة للنساء والفتيات، مؤكدين أن “معالجة الظروف المؤدية إلى الإرهاب، بما في ذلك النزاعات الطويلة غير المحسومة، والتمييز، والإقصاء، أمر ضروري لمكافحة الإرهاب بفعالية ومنع تكراره”.

وتعليقاً على ما ورد في البيان، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، إنه يسلط الضوء على ما جرى في السويداء من انتهاكات لحقوق الإنسان، موضحاً أنه بيان صادر عن خبراء وليس تقريراً. وقال في حديثه لـ”العربي الجديد”: “في الحقيقة، أرى أن البيان وقف على مسافة واحدة، وكان متوازناً، وتحدث بطريقة قريبة جداً مما وثقناه نحن في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من دون تضخيم أو مبالغات”.

وكما هو الحال دائماً في النزاع السوري، هناك تضخيم لأعداد الضحايا من كل طرف، وفق عبد الغني، وهذا يزيد من بشاعة ما ارتكبه الطرف الآخر، مردفاً: “هذا ما شهدناه أيضاً في السويداء، حيث كان هناك استقطاب حاد جداً، البيان أشار إلى ثلاثة أطراف رئيسية ارتكبت انتهاكات: قوات الهجري (مجلس السويداء العسكري) وهي خارج إطار الدولة، والعشائر والبدو أيضاً خارج الدولة، إضافة إلى قوات الأمن والجيش، وهذه الأطراف الثلاثة جميعها ارتكبت انتهاكات”.

وتحدث البيان عن الانتهاكات التي وقعت بحق الدروز والمجتمعات الدرزية من قبل البدو ومن قبل قوات الأمن، كما تحدث عن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل الهجري بحق البدو من عمليات وانتهاكات واسعة. وأوضح عبد الغني أن النقطة الأساسية أن “البيان أشار إلى حصيلة ضحايا تقدر بنحو ألف شخص بين مدنيين ومسلحين، وهي الحصيلة نفسها التي وثقتها نحن في الشبكة السورية لحقوق الإنسان”. وأضاف: “في المقابل، نرى دائماً عمليات تضليل وتضخيم للأرقام من جهات غير متخصصة وغير معتمدة، معروفة باستخدام الخداع، ولا تملك أي خبرة في عمليات التوثيق الحقوقي، هذه الجهات تستند إلى أرقام من مخيلتها، وهي أرقام لا يعتد بها ولا تأخذها المؤسسات الحقوقية أو الأممية بأي وزن، باستثناء بعض المقابلات الإعلامية التي تستشهد بها بشكل غير منهجي”.

وأردف عبد الغني: “البيانات الأممية والتحقيقات الحقوقية عادة ما تعتمد على منهجيات واضحة، وفي هذا السياق، أشار البيان إلى حصيلة تقارب الألف شخص، وهو رقم ضخم، وهذه الحصيلة تشمل مدنيين ومسلحين من مختلف الأطراف: من الدروز الذين قتلهم البدو وقوات الأمن، ومن البدو الذين قتلهم مجلس السويداء العسكري بقيادة الهجري، ومن عناصر الأمن الذين قتلهم المجلس نفسه، أي إنها حصيلة تشمل جميع الأطراف، مدنيين وعسكريين، وهي نقطة مهمة جداً، لأننا في المقابل نرى مبالغة كبيرة وغير دقيقة في الأرقام التي تُتداول”.

وتحدث البيان عن الانتهاكات المتعلقة بالنزوح الكبير الذي شهدته السويداء، حيث لم يعد هناك بدو تقريباً، إذ نزحوا جميعاً، كما نزح العديد من الدروز من بلداتهم وقراهم التي تم إحراقها، كما أشار عبد الغني، فقد أحرقت قوات البدو وعناصر الأمن والجيش منازل وقرى كاملة، وتشرد على إثرها دروز داخل السويداء نفسها، مضيفاً: “وقد يتبادر إلى الذهن أن المشردين هم فقط من البدو، وهذا غير صحيح، إذ إن البيان أشار بوضوح إلى أن التشريد شمل أيضاً الدروز”.

ونبّه عبد الغني إلى تناول البيان “مسألة خطيرة، وهي وصم الدروز جميعاً بأنهم موالون للانفصال أو لإسرائيل، وهو تعميم باطل وغير صحيح، وأنا أتفق تماماً مع ما ذكره البيان في هذا الجانب”، وتابع: “من وجهة نظري، فإن ما تضمنه البيان يستدعي معالجة وطنية عاجلة تضمن محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات، من مختلف الأطراف، بما يحمي المجتمع ويوقف دوامة الانتهاكات”. وشدد عبد الغني على أن ما صدر عن الخبراء بيان وليس تقريراً مفصلاً، مشدداً على أنه “صادر عن خبراء مستقلين يقومون بدور شبيه بالمقررين الخاصين المعنيين بالانتهاكات الكبرى، أما لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسورية فهي التي تحقق في أحداث السويداء وستصدر تقريراً متوازناً وموضوعياً كعادتها”.