أخبار الاقتصاد

#original_title #original_title


خاص

هل يحمي

هل يحمي “الدولار” الولايات المتحدة من “أزمة الديون”؟

تتجه الولايات المتحدة نحو مرحلة سياسية واقتصادية أكثر تعقيداً، إذ تبرز قضية الدين العام كأحد أخطر التحديات التي تلوح في أفق الاقتصاد الأميركي.

فيما يبزغ النقاش حول قدرة واشنطن على إدارة التزاماتها المالية ضمن المحركات الرئيسية للقلق في أسواق المال العالمية.

ومع تصاعد العبء المالي وتفاقم الضغوط على الموازنة الفيدرالية، تتعالى التحذيرات الصادرة عن تقارير اقتصادية بارزة مع تحليلات الخبراء لتؤكد أن بنية الاستدامة المالية الأميركية تواجه اختباراً غير مسبوق، يمتد إلى ثقة المستثمرين وقوة النظام المالي الأميركي وقدرته على امتصاص الصدمات.

وبينما يستمر الدولار في لعب دور الحاجز الذي يؤخر تفاقم الأزمة، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على تفوقها المالي في ظل التحولات الجيوسياسية وتزايد المنافسة الدولية.

في هذا السياق، يشير تقرير لـ “إيكونوميك تايمز”، إلى أن  الدين الأميركي للولايات المتحدة الأميركية يصل الآن إلى 38 تريليون دولار، أي ما يزيد عن 114 ألف دولار للمواطن الواحد ، وفي غضون شهرين فقط، قفز الدين بمقدار تريليون دولار ، وهي واحدة من أسرع الزيادات غير المرتبطة بالجائحة في التاريخ. فيما يستمر العجز في النمو، وتتزايد مدفوعات الفائدة، مما يضع البلاد على حافة الانهيار المالي.

يعتقد الكثير من الأميركيين بأن وضع الدولار كاحتياطي يحمي البلاد. لكن الحقيقة هي أنه لا يوفر سوى حماية محدودة. إذا شكك المستثمرون في إدارة الدين الأميركي، فقد يطالبون بعوائد أعلى على سندات الخزانة.

وتعني العوائد المرتفعة إنفاق المزيد من الأموال على الفوائد وتقليل الإنفاق على البرامج الاجتماعية أو البنية التحتية أو النمو الاقتصادي. حتى العملة القوية لا يمكنها إخفاء المخاطر الهيكلية.

ويشير التقرير إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى تفاقم التحديات؛ فمع تراكم الديون القديمة وإعادة تمويلها بأسعار فائدة أعلى، ارتفعت التكلفة السنوية لخدمة الدين بشكل حاد. وتقترب مدفوعات الفائدة الصافية الآن من مستويات تنافس أو تتجاوز برامج رئيسية مثل الدفاع والرعاية الطبية. ويحذر المحللون من أن هذا الاتجاه سيستمر حتى لو نما الاقتصاد بوتيرة مستقرة.

أزمة ديون

يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

الولايات المتحدة تواجه مؤشرات متزايدة على تعرضها لمخاطر أزمة ديون محتملة، أو على الأقل أزمة مالية ذات أبعاد مديونية معقدة.

  • النتيجة ليست محسومة بعد، إذ تعتمد على مسارات سياسية واقتصادية متشابكة.
  • الدين العام الأميركي تجاوز مستوى قياسياً إلى نحو 38 تريليون دولار في العام 2025، ما جعل خدمة الدين تمثل عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة، إذ تتجاوز مدفوعات الفائدة السنوية تريليون دولار، وهو ما يحدّ من قدرة الحكومة على الإنفاق في القطاعات الاجتماعية والاستثمارية الحيوية.
  • العجز المالي المستمر يمثل تحدياً هيكلياً، إذ تنفق الحكومة أكثر بكثير مما تجمعه من ضرائب وإيرادات، ما يضطرها إلى الاقتراض بشكل دائم، في ظل غياب إصلاح ضريبي فعّال أو خفض جوهري في النفقات.
  • وكالات تصنيف ائتماني خفّضت تصنيف الدين الأميركي، ما يعكس تزايد المخاطر على السندات الأمريكية متوسطة وطويلة الأجل.

ويتابع: ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً يرفع تكلفة الاقتراض، ويؤثر على أداء سوق السندات، مما يتطلب إدارة مالية أكثر حذراً لتجنّب اضطرابات محتملة في الأسعار.

أما عن السيناريوهات المستقبلية، فيرى صليبي أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى تقليص الإنفاق الحكومي، ما سيؤثر على النمو الاقتصادي، أو إلى رفع الضرائب لتمويل خدمة الدين، مما قد يضغط على الطلب والاستهلاك. كما يحذر من احتمال حدوث اضطرابات في سوق السندات الأميركية في حال نزوح المستثمرين، وهو ما قد ينعكس على النظام المالي العالمي، نظراً للمكانة المحورية للدولار وسندات الخزانة الأميركية.

ويوضح أن أزمة الديون، إن وقعت، لن تكون بالضرورة انهياراً للدولة كما يحدث في بعض الدول النامية، بل ستكون أزمة ثقة واستدامة مالية قد تضعف قدرة الولايات المتحدة على تمويل دينها ونموها الاقتصادي، مع تأثيرات ملموسة على الأسواق العالمية.

وفي ختام حديثه، يشدّد صليبي على أن الدين الأميركي لا يزال قابلاً للتحمّل في المدى القصير، طالما أن الحكومة قادرة على إدارة العجز بفعالية وضبط سياسات الإنفاق والفائدة، مضيفاً أن الاقتصاد الأميركي ما زال قوياً، وأن الدولار يحتفظ بمكانته كعملة احتياطية أولى عالمياً، بينما تظل سندات الخزانة الأميركية من بين أكثر الأصول أماناً، مما يمنح واشنطن مساحة من المرونة المالية في الوقت الراهن.

وضع الدولار

فيما يخص الدولار، يشير تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن “كل ما يحول بين الولايات المتحدة وأزمة سوق الدين هو الدولار. فامتلاك العملة الاحتياطية العالمية ليس الدرع المنيع الذي يفترضه الكثيرون”.

ويضيف التقرير:

  • الوضع المالي في الولايات المتحدة أسوأ بكثير مما تواجهه بريطانيا.. بينما يُقدّر صندوق النقد الدولي أن إجمالي دين الحكومة البريطانية سيصل إلى 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بعجز قدره 4.3 بالمئة. من المتوقع أن يكون دين الولايات المتحدة أقل بقليل من 100 بالمئة، وأن يكون العجز في طريقه ليكون من أكبر عجز الموازنة في العالم المتقدم، حيث يتجاوز 7 بالمئة.
  • ما ينقذ النظام المالي الأميركي هو مكانة الدولار كأصل عالمي وعملة تداول أساسية.
  • إلا أن كلا الدورين يواجه تحديات، وكلما زاد استغلال الولايات المتحدة للأجانب، زادت مخاطر بحثهم عن بدائل أخرى.
  • هناك أربعة تهديدات متداخلة للدولار: العرض، والصين، وسلامة الاحتياطيات، ودفع الحلفاء بعيداً.

العرض هو العامل الأهم، إذ تعاني الولايات المتحدة من عجز قياسي في ميزانها المالي في زمن السلم، بالإضافة إلى عجز متفاقم في الحساب الجاري. وتضطر أميركا إلى جذب تدفق مستمر من رأس المال الأجنبي لتمويل الحكومة والواردات، وهو وضع غير مستقر.

حولت الصين تجارتها إلى اليوان بشكل أكبر، مع أن الدولار لا يزال العملة المهيمنة في المدفوعات الدولية. وقد استبدلت الصين وروسيا ودول أخرى، بما في ذلك تركيا، بعض احتياطياتها بالذهب وسط مخاوف متزايدة من تجميد أو مصادرة واشنطن للاحتياطيات الدولارية. وبينما لم تُخفّض حكومات الدول الحليفة بشكل واضح من تعرضها للدولار، إلا أنها شعرت بالقلق من رسوم ترامب الجمركية والحديث عن فرض رسوم أحادية على الاحتياطيات المودعة في سندات الخزانة الأميركية.

حقل ألغام!

يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • يقف الاقتصاد الأميركي أمام مفترق طرق حقيقي، بعدما تجاوز الدين العام حاجز الـ37 تريليون دولار ويتجه بخطى متسارعة نحو 38 تريليوناً، مما يجعل المشهد المالي الأميركي “يسير في حقل ألغام حساس للغاية”.
  • تكلفة خدمة الدين أصبحت المشكلة الأعمق، إذ ارتفعت مدفوعات الفوائد السنوية إلى نحو 1.2 تريليون دولار، متجاوزة ميزانيات رئيسية مثل الدفاع والتعليم.
  • هذا يعد نزيفاً مالياً “يأكل الأخضر واليابس”، خصوصاً مع اضطرار الخزانة لإعادة تمويل ديونها بأسعار فائدة مرتفعة هي الأعلى منذ سنوات.

رغم الصورة القاتمة، يستبعد سعيد حدوث انهيار مفاجئ، مؤكداً أن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك “كارت الجوكر” المتمثل في الدولار كعملة احتياطية عالمية، إضافة إلى استمرار الطلب على سندات الخزانة. لكنه يحذر من سيناريو التآكل البطيء الذي يهدد مكانة الدولار واستقرار النظام المالي العالمي على المدى الطويل.

ويشير إلى أن المخرج الوحيد أمام الإدارة الأميركية قد يكون القبول بتضخم أعلى بشكل متعمد فيما يُعرف بسياسة “القمع المالي”، لتقليص القيمة الحقيقية للديون، لكن ذلك يعني عملياً تحميل المواطن الفاتورة عبر تآكل القدرة الشرائية والمدخرات.

ويختم سعيد تصريحه قائلاً إن “أميركا لا تواجه أزمة سقوط فوري، لكنها تعيش مرحلة تأسيسية لأزمة هيكلية ممتدة”، مؤكداً أن غياب الإصلاحات الجذرية وسط التجاذبات السياسية الحالية قد يحوّل الديون الأميركية إلى قنبلة موقوتة تهدد النظام المالي العالمي برمّته.

Pepperstone: قانون ترامب للضرائب يزيد تعقيد أزمة الديون