أخبار الاقتصاد

#original_title #original_title


الملا: أميركا تحاول طرح بديل للغاز الروسي في أوروبا

وسط مشهد عالمي تتقاطع فيه التحديات الاقتصادية بالعوامل الجيوسياسية، يواصل معرض ومؤتمر أديبك 2025 في أبوظبي تسليط الضوء على مستقبل أسواق الطاقة في ظل التحول الأخضر والعقوبات الغربية الجديدة على روسيا.

وجاء معرض ومؤتمر أديبك 2025 في أبوظبي ليؤكد مجددًا مكانته كأكبر منصة عالمية تجمع صناع القرار وخبراء الصناعة لمناقشة مستقبل الطاقة، واستشراف فرص الاستثمار في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع.

وفي هذا الإطار، كشف المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية السابق في مصر، في حوار حصري لبرنامج “بيزنس مع لبنى” على قناة “سكاي نيوز عربية”، عن رؤيته لتوازن العرض والطلب في السوق النفطي بعد العقوبات الأميركية على شركتي “روسنفت” و”لوك أويل“، التي تنتجان نحو 5 ملايين برميل يوميًا.

الطاقة شريان حياة للاقتصاد العالمي

وأشار إلى أن الأسعار تستقر حاليًا قرب 68 دولارًا لبرميل برنت، متوقعًا أن يواصل الطلب العالمي نموه بنسبة 1 بالمئة خلال عامي 2025 و2026، فيما تبرز الولايات المتحدة والشرق الأوسط وشرق المتوسط كمحاور رئيسية لإمدادات الغاز المستقبلية، مع استثمارات عالمية في الطاقة تجاوزت 3.3 تريليون دولار هذا العام.

وأكد الملا أن المرحلة المقبلة تتطلب توازنًا دقيقًا بين أمن الإمدادات والتحول المستدام، مع توظيف الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة وخفض الانبعاثات في قطاع الطاقة. 

النفط شريان حيوي

كشفت تقديرات عالمية حديثة عن أن “الطاقة شريان حياة للاقتصاد العالمي”، وأن نظام الطاقة يحتاج إلى استثمارات ضخمة وغير مسبوقة لتلبية الطلب العالمي المستمر في الارتفاع.

تشير التوقعات إلى أن:

  • العالم، وفق أحدث التقديرات الدولية، يحتاج إلى 275 تريليون دولار حتى عام 2050 لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتحقيق أهداف التحول الأخضر.
  • يبلغ حجم الاستثمارات الحالية في قطاع الطاقة نحو 3 تريليون دولار خلال عام 2025، منها 1.1  تريليون دولار مخصصة لمشروعات النفط والغاز.
  • تشير توقعات الوكالات الدولية إلى أن الطلب العالمي على الطاقة سيرتفع بنسبة 50 بالمئة بحلول عام 2050، مدفوعًا بالنمو السكاني والتوسع الصناعي والتطور التكنولوجي.
  • معادلة “الأمن الطاقي مقابل التحول الأخضر” هي التحدي الأبرز أمام الأسواق في المرحلة المقبلة.
  • العقوبات الأميركية الأخيرة على شركتي النفط الروسيتين “روسنفت” و”لوك أويل” تضيف عامل ضغط جديدًا على السوق، في ظل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية وتنامي التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ الطاقي.

العقوبات وإضعاف القدرات التصديرية لروسيا

وفي اللقاء الخاص الذي أجرته الإعلامية لبنى بوظة مع  المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية السابق في مصر، قدم الملا قراءة معمقة لمآلات السوق وتداعيات القرارات الأخيرة على العرض والطلب، موضحًا أن العقوبات الأميركية الجديدة تستهدف إضعاف القدرات التصديرية لروسيا، التي تعد من أكبر المنتجين عالميًا بمتوسط5  ملايين برميل يوميًا عبر شركتي “روسنفت” و”لوك أويل“، مؤكدًا أن أي قيود على إنتاج أو تصدير هذه الشركات “تنعكس فورًا على الأسواق وتؤدي إلى اضطرابات في الأسعار”.

وأشار إلى أن السوق شهدت في أعقاب الإعلان عن العقوبات هبوطًا أوليًا في الأسعار، تبعه تصحيح صعودي محدود مع إعادة تقييم المستثمرين لتأثير الإجراء الأميركي، ليستقر سعر خام برنت في نطاق 65  إلى 68 دولارًا للبرميل خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال إن هذا التذبذب “يعكس حالة حذر عام لدى المنتجين والمستهلكين على حد سواء، في انتظار وضوح الرؤية حول مدى التزام أوبك+ بسياساتها الإنتاجية”.

أوبك+ بين الحذر والتريث

تطرّق الوزير المصري السابق أيضًا إلى قرار تحالف أوبك+ القاضي بزيادة الإنتاج بمقدار137  ألف برميل يوميًا، مع تثبيت السياسة الإنتاجية لثلاثة أشهر، موضحًا أن القرار “يعكس توجّهًا مدروسًا يوازن بين دعم استقرار الأسعار والحفاظ على جاذبية الاستثمار في القطاع”.

وأكد الملا أن “التحالف لا يريد تكرار أخطاء الماضي عندما تسببت زيادات مفرطة في الإمدادات في انهيار الأسعار والإضرار بالموازنات الوطنية للدول المنتجة”، مشيرًا إلى أن “زيادة طفيفة ثم فترة مراقبة هي خيار واقعي يتيح تقييم ردود فعل السوق قبل اتخاذ أي خطوة أوسع”.

وأضاف أن “التقلبات الحالية لا تُقاس فقط بعوامل العرض والطلب، بل تتأثر أيضًا بعوامل مالية وجيوسياسية، منها تقلب أسعار الصرف والفائدة، وحالة الأسواق الناشئة، والتطورات في مسار التحول الطاقي”.

وشدد على أن “المرحلة المقبلة تتطلب من المنتجين الكبار اتباع سياسة مرنة، تضمن استدامة الإيرادات دون الإضرار بمسار الاستثمار في الطاقة التقليدية”.

توتال إنرجيز: العالم لا يزال بحاجة إلى النفط والغاز

بوصلة الطاقة الجديدة للعالم

وانتقل الحوار إلى ملف الغاز الطبيعي، الذي وصفه الملا بأنه “العنوان الأهم في خريطة الطاقة المقبلة”، موضحًا أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر مورّد للغاز المسال إلى أوروبا بعد التراجع الكبير في الإمدادات الروسية، بفضل توسّعها في إنشاء محطات الإسالة الجديدة وتوقيعها عقود تصدير طويلة الأجل تتجاوز قيمتها 700  مليار دولار خلال السنوات المقبلة للاتحاد الأوربي.

وأشار إلى أن الشرق الأوسط وشرق المتوسط تحديدًا يبرزان اليوم كأحد أهم المراكز الجديدة لإنتاج وتصدير الغاز، إذ تحتوي المنطقة وفق تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS) على أكثر من200  تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، لم يُستخرج منها سوى جزء بسيط حتى الآن.

وأكد أن مصر تمتلك بنية تحتية متكاملة تؤهلها لأن تكون مركزًا إقليميًا لتجارة وتصدير الغاز في المنطقة، حيث تضم محطتي إسالة في إدكو ودمياط بطاقة إجمالية تتجاوز 12  مليون طن سنويًا، إلى جانب شبكة خطوط إقليمية تربطها بالأردن وسوريا ولبنان وقد يتم ربط تركيا أيضا، وتتيح تصدير الغاز إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

وأوضح الملا أن هذا التكامل الطاقي المدعوم بالتعاون بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل وليبيا “يمهّد الطريق أمام إنشاء سوق غاز إقليمية متكاملة”، متوقعًا أن “يصبح شرق المتوسط أحد أبرز بدائل أوروبا لتأمين احتياجاتها من الغاز بحلول عام 2027، مع اكتمال خطة الاستغناء التام عن الغاز الروسي”.

التحول الطاقي والذكاء الاصطناعي

ورأى الملا أن التحول الطاقي لا يعني بالضرورة الاستغناء عن النفط والغاز، بل تطوير طرق إنتاجهما بكفاءة أعلى وبأقل انبعاثات ممكنة، مؤكدًا أن المرحلة الحالية تتطلب واقعية اقتصادية بدلًا من الطروحات المثالية التي تتجاهل احتياجات النمو العالمي.

وأضاف أن “الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يلعبان اليوم دورًا متزايد الأهمية في قطاع الطاقة، سواء في تحسين كفاءة الاستكشاف والإنتاج أو في إدارة الشبكات والتنبؤ بالطلب”، مشيرًا إلى أن “هذه الأدوات التكنولوجية قادرة على تقليص كلفة الإنتاج وتعزيز الشفافية البيئية”.

ولفت إلى أن الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر تشهد نموًا متسارعًا، لكنها “ما تزال بحاجة إلى دعم مالي وتقني واسع لتصبح بديلًا اقتصاديًا فعّالًا”، مؤكدًا أن “المنطقة العربية تمتلك مقومات مميزة من حيث الموقع والموارد الشمسية والرياح تجعلها لاعبًا رئيسيًا في هذا التحول”.

توازن العرض والطلب.. معادلة البقاء

وختم الوزير طارق الملا حديثه الخاص لبرنامج “بيزنس مع لبنى” بالتأكيد على أن “المرحلة المقبلة من أسواق الطاقة ستكون قائمة على التوازن الذكي بين أمن الإمدادات واستدامة التحول الأخضر”، مضيفًا أن “الحفاظ على استقرار السوق يتطلب تعاونًا بين المنتجين والمستهلكين، وتبني استراتيجيات واقعية بعيدة عن الصراعات السياسية قصيرة الأجل”.

وقال إن “العالم يدخل مرحلة جديدة تُحدَّد فيها مكانة الدول ليس فقط بما تملكه من موارد، بل بقدرتها على إدارة تلك الموارد بكفاءة وتنوّع واستدامة”.

وأشار إلى أن الشرق الأوسط، بما يمتلكه من احتياطات ضخمة وخبرات متراكمة وبنية تحتية متطورة، “مرشّح لأن يكون محور التوازن في سوق الطاقة العالمي خلال العقد المقبل”.

الطاقة مفتاح العالم نحو الازدهار والاستقرار