
كيف تقود حملة “رواد الأعمال” الإمارات إلى صدارة الاستثمار؟
انطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة بمسيرتها لتُصبح قوة مؤثرة على خارطة ريادة الأعمال العالمية، مُثبتة أن طموحها يتجاوز الحدود الإقليمية. إنها لم تعد مجرد وجهة استثمارية، بل أصبحت منظومة متكاملة تجمع بين سرعة الابتكار والفرص المستقبلية الهائلة.
هذا التحوّل الاستراتيجي عزّز ثقة المستثمرين بقوة، وأكّد مكانتها كمركز مثالي للأعمال والأفكار الواعدة. ويجسد إطلاق الحملة الوطنية الكبرى “الإمارات عاصمة رواد الأعمال في العالم” رؤية قيادتها، التي تسعى لتحويل الأفكار البسيطة إلى قصص نجاح مليارية تعانق فضاء العالمية.
في ظل هذه الديناميكية، تبرز تساؤلات محورية حول أبعاد هذا النجاح وتأثيره المستقبلي: لماذا أصبحت الإمارات بوصلة الفرص المثالية لرواد الأعمال؟ وكيف حوّلت الإمارات الأفكار إلى شركات مليارية عالمية؟ وكيف تقود حملة “رواد الأعمال” الإمارات إلى صدارة الاستثمار؟
إطلاق الحملة الوطنية: خطوة لترسيخ “عاصمة رواد الأعمال“
انطلاقاً من الرؤية الطموحة، أُطلقت الحملة الوطنية “الإمارات عاصمة رواد الأعمال في العالم”، وهي مبادرة كبرى تشرف عليها وزارة الاقتصاد والسياحة بالتعاون مع أكثر من 50 جهة حكومية وخاصة، بهدف رئيسي هو ترسيخ مكانة الدولة كوجهة عالمية للابتكار والفرص.
هذه الحملة تسعى لبناء قنوات اتصال وشراكات جديدة تعتمد على المقولة المحورية للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، التي شكلت بوصلة العمل: “الإمارات هي أرض الفرص والوجهة المثالية للشركات والأفكار الواعدة”. هذا التوجه الاستراتيجي يهدف إلى تسريع وتيرة التحول، والاستفادة من المنظومة المتكاملة التي مكّنت الإمارات من تحقيق أرقام عالمية، مثل تبوؤها المرتبة العاشرة عالمياً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 45.6 مليار دولار في عام 2024، بحسب تقرير الاستثمار العالمي 2025 لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد“.
البيئة المثالية لنمو الشركات المليارية
لقد خلقت دولة الإمارات بيئة استثنائية لم تقتصر على تسهيل الأعمال، بل أصبحت حاضنة فعلية للشركات ذات التقييم الملياري (اليونيكورن). تعمل في السوق الإماراتية حالياً 11 شركة من هذا النوع، مما جعل الدولة تحتل المرتبة 17 عالمياً في احتضانها. هذه الشركات تتنوع بين قطاعات مختلفة، ومنها خمس انطلقت مباشرة من أرض الإمارات إلى العالمية، مثل “تابي” بتقييم 3.3 مليارات دولار، و”فيستا غلوبال” بقيمة 2.5 مليار دولار و”كيتوبي” بقيمة 1.55 مليار دولار وغيرها، وذلك وفقاً لإحصائية تم إطلاقها في مطلع العام الجاري خلال فعاليات القمة العالمية للحكومات 2025.
هذا النجاح يعكس القدرة على تحويل الأفكار الإبداعية البسيطة إلى كيانات اقتصادية ضخمة، بفضل المرونة الفائقة للسياسات الاقتصادية والتشريعات الداعمة للاستثمار.
قصص التحول من المحلية إلى العالمية
تُعد قصص الشركات الناشئة التي انطلقت من الإمارات خير دليل على نجاح هذه المنظومة. فشركة “كريم“، التي بدأت في عام 2011، تحولت من تطبيق خدمات محلية إلى نموذج عالمي ناجح عندما استحوذت عليها “أوبر” مقابل 3.1 مليارات دولار.
كما أن منصة “دوبيزل”، التي نشأت في عام 2005، اندمجت لاحقاً لتشكل شركة مليارية ضخمة. علاوة على ذلك، برهنت شركات مثل “مجموعة يلا المحدودة”، وهي أول يونيكورن تكنولوجي إماراتي يدرج في بورصة نيويورك، على قدرتها على النمو وتحقيق إيرادات قوية. هذه التجارب تؤكد أن الإمارات توفّر منصة إطلاق فعالة للشركات الراغبة في التوسع واختراق الأسواق الدولية.
استقطاب عمالقة التكنولوجيا ومحركات النمو المستدام
يُعزز مكانة الإمارات كصدارة للاستثمار، نجاحها في استقطاب المقرات الإقليمية للشركات العالمية الكبرى. فقد افتتحت “باي بال” مقرها الإقليمي الأول في الشرق الأوسط وأفريقيا بدبي عام 2025، ونقلت شركة “فيون العالمية للاتصالات” مقرها الرئيسي عالمياً إلى الإمارة.
ولا تقتصر الجاذبية على الوافدين الجدد، فعمالقة مثل “غوغل“، و”ميتا“، و”مايكروسوفت” تتخذ من الدولة مركزاً لعملياتها الإقليمية. ويُعزى هذا الإقبال إلى البنية التحتية التكنولوجية والرقمية المتقدمة، وتبني الذكاء الاصطناعي في الابتكار، إلى جانب المبادرات التي أُطلقت على مدار عقود، مثل تأسيس مدينة دبي للإنترنت في عام 1999، ما ضمن توفير بيئة مثالية لنمو وتطور الشركات نحو تحقيق النمو المستدام.
بيئة تنظيمية تجعل الإمارات مغناطيساً للابتكار
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال الخبير الاقتصادي هاشم عقل، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية: “في قلب الشرق الأوسط، حيث تتقاطع قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، برزت دولة الإمارات كنجمة لامعة في سماء ريادة الأعمال العالمية. لم تعد الإمارات مجرد وجهة سياحية فاخرة أو مركزاً للتجارة، بل أصبحت (بوصلة الفرص) التي توجه آلاف رواد الأعمال الطموحين نحو أحلامهم، ومع إطلاق حملة الإمارات عاصمة رواد الأعمال في العالم، تحولت الدولة إلى نموذج عالمي يحول الأفكار البسيطة إلى شركات مليارية، ويجذب استثمارات بمليارات الدولارات. لكن كيف حدث ذلك؟ وما هو السر وراء هذا التحول الاستثنائي”.
وأرجع عقل السبب الأول في جاذبية دولة الإمارات إلى بيئتها التنظيمية التي تحول الإجراءات البيروقراطية إلى عملية سلسة. بحيث يستطع رائد الأعمال والمستثمر تأسيس شركته في غضون أيام قليلة، مع ملكية أجنبية كاملة تصل إلى 100بالمئة، وإعفاءات ضريبية تصل إلى الصفر على الدخل الشخصي والشركات في المناطق الحرة، وقال: “هذه ليست وعود نظرية، بل واقعاً يعيشه أكثر من 48 ألف شركة ناشئة مسجلة في الإمارات بحلول أغسطس الماضي”.
ويرى عقل أن الإمارات ليست مجرد مكان للعمل، بل نظام إيكولوجي كامل يدعم الابتكار وتحتل الإمارات المرتبة الأولى في الشرق الأوسط لسهولة ممارسة الأعمال، مع نظام ضريبي تنافسي يشمل ضريبة قيمة مضافة فعالة لا تثقل كاهل الشركات الناشئة، مؤكداً أن هذه السياسات ليست صدفة، بل هي جزء من رؤية الإمارات 2031، التي تهدف إلى جعل الدولة مركزاً عالمياً للاقتصاد الرقمي.
كيف تحولت هذه البيئة الداعمة الأفكار إلى شركات مليارية عالمية؟
يجيب الخبير الاقتصادي عقل على هذا التساؤل بقوله: “تكمن الإجابة في مزيج من التمويل الوفير، البنية التحتية المتقدمة، والوصول إلى أسواق عالمية هائلة، ففي الإمارات يمكن لفكرة بسيطة أن تتحول إلى “يونيكورن” في غضون سنوات قليلة. بحلول 2025، جذبت الإمارات 12 يونيكورن، مع هدف جذب 20 جديدة بحلول نهاية العقد. هذه التحولات مدعومة باستثمارات تصل إلى 8.7 مليار دولار في التكنولوجيا والابتكار، بالإضافة إلى موقع الإمارات الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث قارات.
وأكد عقل أن الإمارات ليست وجهة مؤقتة، إنها شريك طويل الأمد في رحلة ريادة الأعمال. مع جودة حياة عالية تجمع بين السلامة، التعليم العالمي، والرعاية الصحية المتقدمة، تجذب الإمارات ليس فقط الاستثمارات، بل الأفراد الذين يبحثون عن توازن بين العمل والحياة. في الإمارات، الطموح ليس حلماً، بل خطة عمل، وأشار إلى أن الإمارات تتجه مع حملة “رواد الأعمال”، نحو صدارة الاستثمار العالمي، محولة الصحراء إلى واحة للابتكار”.
9 عوامل تجعل من الإمارات قبلة الاستثمار الأمثل للشركات الناشئة
من جهته، تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عن العديد من العوامل الرئيسية التي تجعل من الإمارات قبلة الاستثمار الأمثل للشركات الناشئة وأبرزها:
- الموقع الاستراتيجي: يُعدّ أحد أهم الأسباب التي تدفع المستثمرين إلى تأسيس أعمالهم فيها. فبفضل موقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، تُعدّ الإمارات مركزاً محورياً يربط الشرق بالغرب. ويعود ذلك بالنفع على المستثمرين من خلال توفير الوصول إلى الأسواق المحلية. كما تُوفّر الإمارات العربية المتحدة ربطاً ممتازاً، حيث تشتهر مطاراتها وموانئها البحرية بميزاتها المتطورة، مما يُسهّل التجارة العالمية.
- مجموعة المواهب العالمية: حيث تسعى الى جذب الاستثمارات الأجنبية والمواهب. وقد استقطبت تأشيرة الرحّالة الرقميين وسياسات العمل عن بُعد مواهب عالمية من مختلف القطاعات. وأسست شركات للوصول إلى الكفاءات المتخصصة اللازمة لتطوير الاعمال.
- الاقتصاد المتنامي: حيث تتمتع بالاستقرار الاقتصادي كما أنها تخطط للاستثمار بكثافة في قطاعي الطاقة المتجددة والابتكار. ولتحقيق التنوع الاقتصادي، وتجذب حكومة الإمارات المستثمرين من مختلف القطاعات الصناعية. بالإضافة إلى أنها تُسهّل عملية التحول الرقمي من خلال توفير البنية التحتية والشبكات اللازمة للشركات التقنية الناشئة. وتفخر الدولة بمناطق حرة مصممة خصيصاً لاستيعاب هذه الشركات. ويُعدّ الاقتصاد المستقر أساساً لتأسيس الشركات، مما يجعل الإمارات وجهة مثالية للشركات الناشئة.
- دعم الحكومة والسياسات الصديقة للأعمال: حيث تُقدم الحكومة الإماراتية دعماً كبيراً للشركات الناشئة من خلال الإعفاءات الضريبية وحوافز أخرى. وقد تم إنشاء هيئات متخصصة، مثل مركز محمد بن راشد للابتكار وسوق أبوظبي العالمي، لدعم هذه الشركات.
- أبرام الحكومة العديد من اتفاقيات التجارة الحرة: مما يُسهّل الوصول إلى سوق واسعة، ويمكن للشركات الناشئة الاستفادة من المزايا الضريبية في الدولة، والتي تتنوع بين المناطق الحرة والبر الرئيسي.
- الابتكار التكنولوجي: تعمل الإمارات على تحقيق التطور التكنولوجي والتحول الرقمي. ويشمل الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والبلوك تشين، وإنترنت الأشياء. تُسهّل البلوك تشين المعاملات الآمنة، بينما يُطبّق الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الصناعية. تُفيد هذه التطورات الصناعات التقنية التي تتطلع إلى تأسيس أعمالها في الإمارات. وتتطلب العديد من الصناعات التحول الرقمي والتقدم التكنولوجي، مما يُتيح للمستثمرين فرصًا لتأسيس أعمالهم.
- توافر أنظمة قانونية ومالية شفافة: بفضل إطارها القانوني الموثوق، ومؤسساتها المالية المتنامية، وحماية المستثمرين القوية، تُعدّ الإمارات بيئةً آمنةً للاستثمار طويل الأجل. فهي تُقدّم مزيجاً فريداً من الفرص والأمان وقابلية التوسع. وقد صُمّمت منظومتها الاستثمارية المُلائمة للمستثمرين لدعم النمو في مختلف القطاعات. سواءً كنت تُطلق مشروعاً ناشئاً أو تُوسّع نطاق مشروعك العالمي، فليس هناك وقتٌ أفضل من الآن للاستثمار في الإمارات والاستفادة من اقتصادها المزدهر.
- النظام البيئي القائم على التكنولوجيا: حيث لم يعد التحول الرقمي مجرد توجه، بل تحول جذري ولذلك تُدمج دبي التكنولوجيا في كل جانب من جوانب اقتصادها، من الحوكمة الذكية إلى خدمات العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وتزدهر البنية التحتية لتقنيات البلوك تشين والتكنولوجيا المالية والحوسبة السحابية بفضل التنظيم الاستباقي ومناطق الاستثمار التكنولوجي الرئيسية
- الاقتصاد الأخضر والتركيز على الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية: حيث تُعدّ الاستدامة محركاً متنامياً للأعمال وتسعى الحكومة جاهدةً إلى اعتماد الطاقة النظيفة، والعقارات الخضراء، ومحطات تحويل النفايات إلى طاقة، ونماذج الاقتصاد الدائري. ويُتوقع بشكل متزايد الالتزام بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، لا سيما من قِبَل الشركات التي تسعى إلى التمويل أو الشراكات.
وأشار الدكتور الشناوي إلى أن حملة رواد الاعمال تقود الإمارات لتصبح عاصمة الشركات الناشئة في العالم من خلال:
- توافر الرؤية الوطنية الطموحة للقيادة السياسية: فقد آمنت القيادة السياسية في الدولة بأهمية صدارتها للاستثمار كعاصمة عالمية للشركات الناشئة. تعكس هذه المبادرة الجريئة تحولاً استراتيجياً من المشاركة إلى الريادة في منظومة الشركات الناشئة العالمية، ولذلك أطلقت حملة وطنية غير مسبوقة لتحقيق هدفها وتعكس هذه المبادرة الجريئة تحولاً استراتيجياً من المشاركة إلى الريادة في منظومة الشركات الناشئة العالمية.
- العمل على خلق فرص العمل على نطاق واسع: حيث تستهدف إلى جانب التعليم توفير 30 ألف وظيفة جديدة خلال العقد المقبل. وهذا يُظهر التزام دولة الإمارات بتعزيز بيئة ريادة أعمال مزدهرة تُولّد فرص عمل واعدة.
- التموضع الاستراتيجي والقيادة العالمية: وتسعى الامارات لتحقيق ذلك من خلال دعم الابتكار وريادة الأعمال، وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للشركات الناشئة، وجذب المستثمرين والمواهب في جميع أنحاء العالم، مع وضع معيار للتنويع الاقتصادي والاستدامة.
- توفير نظام الدعم الشامل: وذلك عن طريق دمج موارد مختلفة بما في ذلك التمويل والتوجيه والبنية التحتية، لإنشاء نظام دعم متكامل يمكّن الشركات الناشئة من الازدهار على المستويين الإقليمي والدولي.
