أخبار الاقتصاد

الفيدرالي على حبل مشدود أمام أولويات متداخلة


خاص

الفيدرالي الأميركي

الفيدرالي الأميركي

يشهد الاقتصاد الأميركي مرحلة دقيقة بالتزامن مع تصاعد التحديات النقدية والضغوط الاقتصادية والسياسية، في وقت تراقب فيه الأسواق توجهات مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ويأتي ذلك وسط نقاش واسع حول ما إذا كان يتعين إعطاء الأولوية لكبح التضخم أو دعم سوق العمل الذي بدأ يظهر علامات التباطؤ.

تتصاعد المخاوف من أن تؤدي أي خطوة غير محسوبة إلى إرباك المشهد المالي، حيث توازن السلطات النقدية بين مخاطر الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول وبين مخاطر خفضها بوتيرة سريعة. وهو التوازن الصعب الذي يعكس طبيعة المرحلة الراهنة التي لا تحتمل قرارات متسرعة.

وفي ظل حالة الترقب، تبقى الأسواق العالمية شديدة الحساسية لأي إشارة تصدر عن البنك المركزي الأميركي، فيما تتباين توقعات المستثمرين بين من يرجح استمرار سياسة التشديد الحذر ومن يراهن على تخفيضات إضافية، ما يجعل المشهد مفتوحًا على جميع الاحتمالات.

تصريحات باول

رفض رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول توقعات خفض أسعار الفائدة أكثر في الأشهر المقبلة، قائلاً إن صناع السياسات يواجهون “موقفا صعبا” في اتخاذ القرار بشأن إعطاء الأولوية لمكافحة التضخم أو حماية الوظائف.

وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد خفض الأسبوع الماضي تكاليف الاقتراض بربع نقطة مئوية إلى نطاق يتراوح بين 4 بالمئة و4.25 بالمئة وسط علامات ضعف في سوق العمل وبيانات تظهر أن تأثير التعريفات الجمركية على ضغوط الأسعار ظل متواضعا.

ويراهن العديد من المستثمرين على خفضين آخرين للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية قبل نهاية عام 2025. لكن باول أشار يوم الثلاثاء إلى أن هذه الخطوات ما زالت بعيدة عن الاكتمال، قائلاً إنه إذا “خفف محافظو البنوك المركزية سياساتهم بشكل مفرط”، فإنهم “قد يتركون مهمة التضخم دون حل ويحتاجون إلى عكس المسار” لاستعادة زيادات الأسعار إلى هدفهم البالغ 2 بالمئة بالمئة.

وظل التضخم أعلى من هدف البنك المركزي منذ عام 2021 ومن المتوقع -بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز”- أن يرتفع أكثر مع دفع الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب الأسعار للمتسوقين في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، حذر باول أيضا من أن إبقاء أسعار الفائدة “مقيدة” لفترة طويلة يعني أن “سوق العمل قد تلين بشكل غير ضروري”.

وقال في تصريحات مُعدّة لخطابٍ في رود آيلاند: “تميل مخاطر التضخم على المدى القريب نحو الارتفاع، بينما تتجه مخاطر التوظيف نحو الانخفاض – وهو وضعٌ صعب”. وأضاف: “عندما تكون أهدافنا متضاربة بهذا الشكل، فإن إطار عملنا يدعونا إلى الموازنة بين جانبي مهمتنا المزدوجة”.

وقال باول إن معظم تكلفة الرسوم الجمركية تحملتها الشركات الأميركية وليس – كما زعم البيت الأبيض – الشركات الأجنبية.

واستطرد: “نحن نجني إيراداتٍ كبيرة، بمعدل 300 مليار دولار سنوياً.. السؤال هو: من يتحمل هذا؟ ما زال الوقت مبكراً جداً، لكن لا يبدو أن المصدرين الأجانب يتحملون الجزء الأكبر من هذه الإيرادات.. يبدو أن تجار التجزئة والمستوردين يتحملون هذه التكلفة، وهم لا يتحملون هذه التكلفة الكبيرة على المستهلكين”.

وجاء التخفيض الأخير الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة ــ وهو الأول منذ ديسمبر- في ظل ضغوط شديدة من ترامب، الذي وصف باول بأنه “أحمق” لإبقائه تكاليف الاقتراض ثابتة.

وأفاد باول بأن تدهور الظروف في سوق العمل أشار إلى صانعي أسعار الفائدة أن “موقفهم المتمثل في التركيز الشديد على التضخم يحتاج حقًا إلى الاعتدال نحو نهج أكثر توازناً”.

وأضاف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي أن تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة تظل مقيدة، مما يفرض قيودا على التضخم ولكنه يثقل كاهل النمو أيضا.

التضخم وسعر الفائدة

يؤكد خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:

  • تصريحات جيروم باول الأخيرة وضعت الأسواق في حالة من الحيرة والترقب بعد موجة التفاؤل التي كانت سائدة.
  • رئيس الفيدرالي الأميركي “صب الماء البارد” على توقعات خفض الفائدة السريع والمتتالي، موضحاً في الوقت نفسه أن الوضع أكثر تعقيداً مع تحديات متشابكة تواجه السياسة النقدية.
  • جوهر حديث باول يتمثل في أن البنك المركزي يسير على “حبل مشدود”، فإذا خفض الفائدة بسرعة قد يعود التضخم للظهور بقوة، وإذا أبقى عليها مرتفعة لفترة طويلة قد تتضرر سوق العمل التي بدأت تظهر عليها بالفعل علامات التباطؤ.
  • باول نفسه وصف الموقف بأنه “لا يوجد مسار خالٍ من المخاطر”.

ويضيف: هذه الرسائل انعكست سريعاً على الأسواق، حيث تراجعت  في اليوم نفسه المؤشرات الأميركية الرئيسية بعد تسجيلها مستويات قياسية، خصوصاً بعدما ألمح باول إلى أن أسعار بعض الأسهم تبدو مرتفعة، وهو تعليق لا يمكن تجاهله من رئيس أكبر بنك مركزي في العالم. وكانت قطاعات التكنولوجيا والقطاعات الحساسة لتكاليف التمويل الأكثر تأثراً باعتبار أن نموذج نموها يعتمد بشكل كبير على الاقتراض الرخيص.

ويضيف:

  • الأسواق دخلت مرحلة جديدة من التقلبات، حيث بات المستثمرون يترقبون عن كثب البيانات الاقتصادية المقبلة، خصوصاً مؤشرات التضخم وسوق العمل، بحثاً عن أي إشارة قد ترجح كفة قرار الفيدرالي القادم.
  • الرهانات السهلة لم تعد قائمة، والصورة أصبحت أكثر تعقيداً وتتطلب حذراً شديداً بعدما ترك باول الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات بدلاً من تقديم إجابات حاسمة.

تقييم السوق

وخلال تصريحاته الأخيرة، أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن أسعار الأصول، وهي الفئة التي تشمل عادة الأسهم وأدوات المخاطر الأخرى، وصلت إلى مستويات مرتفعة، وذلك عندما سُئل عن مدى التركيز الذي يضعه هو وزملاؤه على أسعار السوق وما إذا كان لديهم قدرة أكبر على تحمل القيم الأعلى.

أميركا أمام أزمة.. تحذيرات لا تتوقف تربك المستثمرين

في الفترة التي سبقت اجتماعات السياسة النقدية الأسبوع الماضي، ارتفعت الأسهم والأصول الأخرى بقوة مع تنامي القناعة بأن لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية ستخفض سعر الفائدة المرجعي لليلة واحدة. وواصلت الأسهم ارتفاعها، مسجلةً سلسلة من الارتفاعات القياسية للمتوسطات الرئيسية، منذ قرار يوم الأربعاء بخفض الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.

وقال باول في جزء من الحوار الذي تناول أسعار الفائدة على الرهن العقاري: “الأسواق تستمع إلينا وتتابعنا، وتُقدّر توقعاتها لمسار أسعار الفائدة. ولذلك، تُقيّم الأمور”، بحسب ما نقلته “سي إن بي سي” الأميركية.

ورغم أن باول أشار إلى ارتفاع قيم الأسهم، إلا أنه قال إن هذا “ليس وقتا للمخاطر المرتفعة على الاستقرار المالي”.

أسعار الأسهم

بدوره، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:

  • “المخاوف التي أثارها رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بشأن مستويات أسعار الأسهم الأميركية هي مخاوف واقعية”.
  • “تقييمات الأسهم الأميركية مرتفعة للغاية، وكثير من الاقتصاديين والمستثمرين يؤكدون أننا قد نكون أمام فقاعة حقيقية”.
  • “مع ذلك، هذا لا يعني أن موجة الصعود ستتوقف فوراً، إذ إنّ الزخم الحالي مدفوع بشكل أساسي بالاستثمارات الضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي”.

ويؤكد أن “أي تباطؤ في قطاع الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تصحيحات قوية في الأسواق، لكن في المقابل إذا حافظ الاقتصاد الأميركي على قوته، وواصلت السياسات الحكومية دعمها، فقد تستمر السوق في الارتفاع حتى مع بقاء التقييمات عند مستويات عالية”.

أما بخصوص السياسة النقدية، فيوضح يرق أن “جيروم باول يسعى لتحقيق التوازن. فالخفض الأخير للفائدة كان ضرورياً لمواجهة المخاطر الناتجة عن ضعف سوق العمل. ومع ذلك، تبقى قرارات الفيدرالي المقبلة مرتبطة بمسار التضخم والبيانات الاقتصادية المنتظرة”.

ويختتم يرق تصريحه بالقول: “الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، حيث ستشكل بيانات مؤشر PCE وأرقام سوق العمل والتضخم الدور الأبرز في تحديد الخطوة المقبلة للاحتياطي الفيدرالي”.

رسوم ترامب.. فاتورة باهظة للمواطن الأميركي