عراقجي خلال قمة بريكس في البرازيل، 6 يوليو 2025 (ماورو بيمانتيل/فرانس برس)
أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن أوضاع سورية اليوم معقدة وصعبة للغاية، وهناك مشكلات متعددة يواجهونها، مشيراً في حديث مع وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، اليوم الأربعاء، إلى أن إقامة علاقات سياسية ليست أولوية فورية بالنسبة لإيران، مضيفاً: “متى ما رأت الحكومة السورية أن التعاون مع إيران يصب في مصلحتها، فسنكون مستعدين للنظر في الأمر”.
ورداً على سؤال بشأن وجود وسطاء بين إيران والحكومة السورية لاستئناف العلاقات، أم أن البلدين يتابعان هذه العلاقات بمعزل عن الوسطاء، قال عراقجي: “الوسطاء موجودون دائماً في كل مكان، لكننا الآن نفضّل أن ننتظر حتى تتوافر الظروف المناسبة. وفي ردّه على سؤال حول ما إذا كانت طهران قد تلقّت إشارة من الحكومة السورية لاستئناف العلاقات، قال: “حتى الآن لم نتلقَّ أي إشارة من أي طرف، ونحن بانتظار تهيئة الظروف المواتية لعودة العلاقات”.
العلاقات مع السعودية
وتطرق الوزير الإيراني إلى علاقات بلاده مع السعودية أيضاً، مبيّناً أنه “على مدى العام الماضي، ورغم كل التوترات الإقليمية، شهدت العلاقات تقدّماً جيداً، وأصبح لدينا على الأقل فهم وإدراك أفضل لبعضنا البعض”، لكنه أضاف أنّ ذلك “لا يعني أنّ الخلافات قد حُلّت، ففي بعض القضايا تراجعت الخلافات، وفي بعضها الآخر حُلّت، بينما ما زالت هناك ملفات مناطقية عديدة نختلف بشأنها”.
وتابع: “الفضاء السلبي السابق بيننا لم يعد موجوداً. لديّ اتصالات منتظمة مع وزير الخارجية السعودي، ونتحدث كلما اقتضت الحاجة، خصوصاً بشأن غزة والقضية الفلسطينية. كما ناقشنا التهديدات الأميركية والهجمات الأميركية والصهيونية، وكذلك الشأن اللبناني والسوري. لكن هذا لا يعني أن الخلافات قد اختفت، بل بالعكس، نحن نتحدث لأن هناك خلافات، لكن هذه الخلافات لم تتحول إلى عداوة أو صراع مصطنع، ويجب ألا تصل إلى ذلك”.
المفاوضات مع أميركا
وتحدث عراقجي عن موضوع التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، والذي توقف بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، معتبراً أن هذا التفاوض يجب أن يجري في وقته المناسب، عندما تبلغ الظروف مرحلة النضج. وقال: “من وجهة نظري، لم نصل بعد إلى تلك المرحلة التي يمكن أن تنتج تفاوضاً فعالاً مع أميركا. في رأيي، لم يصل الأميركيون بعد إلى النقطة التي يمكنهم عندها الدخول في مفاوضات متكافئة. وإذا سعوا إلى التفاوض، فهدفهم أن يأخذوا على طاولة المفاوضات ما لم يستطيعوا تحقيقه عسكرياً وهذا لن يحصل”، مشدداً على أنه لن يدخل في هذه المفاوضات متجاهلاً حقوق الشعب الإيراني الذي قصفوه ولكن لم يتمكنوا من تدميره، وفق قوله.
وتابع: “ما يصلنا من خلال الوسطاء متناقض. وفي تصريحات ومقابلات المسؤولين الأميركيين أيضاً هناك تناقضات. وهذه من مشكلاتنا سواء في المفاوضات السابقة أو الآن، إذ إننا لم نسمع خطاباً موحداً من الأميركيين، بل تتغير أقوالهم باستمرار، وأحيانا تختلف الرسائل عن التصريحات العلنية. أعتقد أن الأميركيين أنفسهم ربما لم يتوصلوا بعد إلى خلاصة نهائية، وربما هم منشغلون بقضايا أخرى”.
العلاقة مع “الطاقة الذرية”
وفي سياق آخر، أكد عراقجي أن بلاده تُجري مفاوضات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف التوصل إلى “ترتيبات جديدة وهيكل جديد للتعاون” يُستأنف على أساسه التعاون المشترك. وأوضح، في تصريح لوكالة أنباء “إرنا” الرسمية، اليوم الأربعاء، أن الزيارة الأخيرة لنائب المدير العام للوكالة إلى طهران أفضت إلى “فهم أفضل” بين الجانبين بشأن آلية التعاون الجديدة، مضيفاً أنّ إيران أرسلت بعد هذه الزيارة مجموعة من رؤاها حول صيغة محتملة للتعاون، فيما بعثت الوكالة بدورها ردها مكتوباً، من دون أن يكشف عن فحواه.
وأشار عراقجي إلى أنّ وفداً إيرانياً سيتوجّه قريباً إلى فيينا لإجراء جولة جديدة من المحادثات مع الوكالة، مؤكداً أن عودة المفتشين إلى طهران ممكنة بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي. كما شدد على أن “إيران لا تستطيع قطع التعاون مع الوكالة بالكامل، فمثلاً بعد قرابة شهر أو شهر ونصف يحين موعد استبدال وقود محطة بوشهر النووية، وهذه العملية يجب أن تتم بحضور مفتّشي الوكالة، وبالتالي لا بد من وجودهم”.
وبيّن أن الوكالة تقدّم طلباتها لتفتيش المنشآت غير المُستهدَفة بالقصف إلى إيران، وهذه الطلبات تُحال إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يقرّر الشروط التي يسمح بموجبها بالتفتيش. وأضاف أن “قطع التعاون مع الوكالة له تبعاته الخاصة، ومواصلة التعاون بالطريقة السابقة لم تعُد ممكنة”، متسائلاً عن “البروتوكول الذي يُحتكم إليه لتفتيش منشأة نووية قُصفت، وهي مسجّلة لدى الوكالة، وتعمل في إطار الاستخدام السلمي”، لافتاً إلى أن “الوكالة نفسها لا تملك إجابة لأنّ مثل هذا الوضع لم يحدث من قبل”.
الاتصالات مع أوروبا
وفي ما يخصّ الاتصالات مع أوروبا، قال عراقجي إنّ بلاده “في مرحلة تقييم ما إذا كان هناك أساس حقيقي لمفاوضات فعلية وتبادل جدي مع الأوروبيين أم لا”. وحذّر فرنسا وبريطانيا وألمانيا من تفعيل آلية “سناب باك” (آلية الزناد) لإعادة العقوبات وقرارات مجلس الأمن السابقة، معتبراً أنه “من غير المقبول السماح بحدوث ذلك، فهو أمر غير مستحب وله تبعات، وينبغي عدم الاستهانة به، رغم أنّ عودة هذه القرارات والعقوبات لم تعد تتمتّع بنفس الأهمية والتأثير السابقين”.
كما نبّه إلى أنّ تفعيل الآلية قد يعيد إيران إلى تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو قد يُفضي إلى إعادة فرض حظر السلاح، مشيراً إلى احتمال عقد اجتماع مع الترويكا الأوروبية في الأيام المقبلة. وأكّد أنّ “تفعيل “سناب باك” حالياً لا يحقق فائدة لهم ولا لغيرهم”، مرجحاً في الوقت نفسه زيادة احتمال اتخاذ هذه الخطوة من قبل الترويكا الأوروبية. وكشف عن معارضة بلاده لتمديد قرار مجلس الأمن 2231 المكمل للاتفاق النووي المبرم عام 2015. علماً بأن تمديد القرار يعني أيضاً تمديد صلاحية آلية “سناب باك”، التي ينتهي العمل بها في 18 أكتوبر/ تشرين الأول.