تندرج مسرحية “كوميديا بلا عنوان” التي كتبها الشاعر الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا عام 1936 ضمن مشروعه المسرحي المعروف باسم “ثلاثية المسرح المستحيل”، إلى جانب مسرحيتي “الجمهور” و”فلتمضِ هكذا خمس سنوات”.
في هذه الثلاثية، حاول لوركا اختبار أشكال مسرحية تجريبية، متجاوزاً القوالب التقليدية، ومناقشاً موضوعات جريئة تتعلّق بالهوية والزمن والحرية والرغبة. وإذا كانت مسرحية “الجمهور” قد مثّلت مواجهة مع الأسئلة الجنسية والوجودية، و”فلتمضِ هكذا خمس سنوات” اعتُبرت تأملاً في عبثية الزمن، فإنَّ “كوميديا بلا عنوان” جسّدت عملاً مسرحيّاً وضع الفن في مواجهة مباشرة مع الثورة والعنف السياسي.
هذه الكوميديا التي كبتها صاحب “شاعر في نيويورك“، والتي لم يصلنا منها إلا الفصل الأول؛ إذ تم اغتيال مؤلّفها في بداية الحرب الأهلية الإسبانية قبل أن يُكمل كتابتها، ستُعرض على خشبة مسرح بافون في مدريد، بين الثالث والثامن من سبتمبر/أيلول المقبل، تزامناً مع مرور تسعة وثمانين عاماً على اغتيال الشاعر.
ملخص أحداث مسرحية “كوميديا بلا عنوان”
في الفصل الأول والوحيد الذي وصل إلينا، يظهر المؤلف على خشبة المسرح مخاطباً الجمهور مباشرةً، موضحاً أنَّ مسؤوليته المدنيّة تحتّم عليه وقف المسرح التقليدي وعرض الواقع الاجتماعي وصوت الشارع على المسرح. يقاطعه الجمهور والعاملون خلف الكواليس والممثلون، حتى تصل الثورة وتدمّر المسرح. هكذا تتحوّل القاعة إلى مسرح داخل مسرح، حيث يتصادم الخيال مع الواقع والسياسة مع الفن.
استدعاء لذاكرة لوركا الذي اغتيل قبل أن يُكمل مشروعه الفني
أما الفصلان الثاني والثالث، فلا يعرف عنهما إلا من خلال شهادات أصدقاء لوركا، خصوصاً مارجاريتا شيرغو، التي قرأ لها لوركا حوارات من الفصل الثاني الذي كان سيجري في مشرحة، بينما كان الفصل الثالث، الذي لم يبدأ لوركا كتابته بعد، سيجري في السماء، مع جوقة من الملائكة الأندلسيين مرتدين زي الفارالايس التقليدي.
عرض جديد بقراءة معاصرة
العمل الذي يخرجه إميليو رويث باراشينا لا يكتفي بتقديم النص كما تركه لوركا، بل يستكمله، كما جاء في إعلان المسرحية، عبر توثيق دقيق للحظات الأخيرة من حياة الشاعر، مستنداً إلى أبحاث المؤرخ ميغيل كاباييرو. بهذا المزج بين المسرح والتاريخ، يتحوّل العرض إلى شهادة فنيّة على تجربة لوركا ونهايته. يشارك في التمثيل اثنا عشر فناناً، وتبلغ مدة العرض حوالي ثمانين دقيقة.
إرث يتجدد
لا تُقرأ عودة هذا النص إلى المسرح اليوم بوصفها إحياءً لعمل أدبي ناقص، إنها استدعاء لذاكرة لوركا الذي اغتيل قبل أن يُكمل مشروعه الفني. فكل محاولة لإعادة عرضه تعد شكلاً من أشكال الاكتمال الرمزي لصوت خَبَا برصاص الطغيان، لكنه ما زال حيّاً في وجدان الثقافة العالمية.