الرئيسية

عن سينما عربية واختلافات الارتباط بها



صنع الله إبراهيم في منزله بالقاهرة: 29 مايو/أيار 2011 (علي هزّاء/فرانس برس)

 

إنْ يكن لطفي لبيب (18 أغسطس/آب 1947) ممثلاً سينمائياً، لا مهنة له غيرها (إلى أعمال تلفزيونية ومسرحية، كعادة مصريين ومصريات كثيرين)، فإنّ للروائي صنع الله إبراهيم (24 فبراير/شباط 1937 ـ 13 أغسطس/آب 2025) علاقة غير مُكتملة بالسينما، كزياد الرحباني (1 يناير/كانون الثاني 1956)، المحصورة نتاجاته الفنية بالموسيقى (له موسيقى تصويرية لأفلامٍ عدّة أيضاً) والغناء والمسرح. ولبيب، الراحل في 30 يوليو/تموز 2025، بعد أربعة أيامٍ فقط على وفاة الرحباني، مهمومٌ بابتكار تنويعٍ أدائي بين دور وآخر، رغم أنّ لملامحه (ابتسامة أقرب إلى الخبث. قسوة مائلةٌ إلى السخرية. عينان مُلتبستا المعنى) وقعاً أكبر وتنشيطاً أعمق لتمثيله، المنتقل به بين تناقضات، تُختزل بنوعين: كوميديا مُحمّلة، غالباً، بشيءٍ من القراءة البصرية لوقائع عيش وحالات اجتماع (مع كوميديا بحتة أحياناً)؛ ودراما مُشبَّعة، إجمالاً، بتشويق وتحليل مبسّط لمسائل حياتية وانفعالية.

لصنع الله إبراهيم علاقة بالسينما، تنشأ في النصف الأول من سبعينيات القرن 20، غداة انتقاله من برلين إلى موسكو، بنيّة التفرّغ للكتابة. له رغبةٌ في دراسة التصوير السينمائي، لكنّه سيكتفي بتمثيل دورٍ في فيلم تخرّجٍ للسوري محمد ملص، يتناول تجربة السجن بفضل حكايات مُعتقلين سياسيين. في عددها الثاني (صيف 2012)، تنشر “بدايات” (مجلة فصلية لبنانية) 13 مشهداً من سيناريو “القرامطة” (1980)، ذاكرةً أنّ إبراهيم مُشارك في كتابته مع السوريَّين عمر أميرالاي ومحمد ملص: “لم يبصر السيناريو النور، لكنّ قراءة هذه المختارات تضيء حقبة تبدو معاصرة من تاريخنا العربي الإسلامي، بقدر ما تغني معرفتنا بإبداع (هولاء الثلاثة)”، كما في تقديم المجلة. في حوار مع أمال فلاح، منشور مجدّداً في “الكتابة” (موقع ثقافي إلكتروني، القاهرة) في 17 مايو/أيار 2025، يقول إبراهيم إنّ دراسته السينما بمعهد موسكو ممتدة لثلاثة أعوام، بدءاً من 1971. يذكر أنّ ملص موجودٌ هناك، وأنّه مساهم في إعداد فيلم تخرّجه، مشتغلاً معه المراحل كلّها للمشروع، الذي يُصبح فيلماً (غير مذكور عنوانه في إجابة الروائي)، يُمثّل فيه كاتب “نجمة أغسطس” (1973). يُضيف أنّ التجربة “السينمائية” هذه تتوقّف: “هناك محاولات عدّة لاقتباس رواياتي، لكنّها لم تنجح”، مُضيفاً أنّ “آخر” مشروع حين إجراء المقابلة يعود إلى أشهر سابقة، مع الألماني المصري سمير نصر، مخرج “أضرار لاحقة (أو “بذور الشكّ”، 2005)، المتحمّس جداً لرواية “شرف” (1997)، والفيلم مُنجز كلّياً عام 2022 (العربي الجديد، 17 يوليو/تموز 2023).

 

 

هناك مشتركٌ بين الرحباني ولبيب: تمثيل دور شخصية إسرائيلية، بأسلوبين يختلف أحدهما عن الآخر، طبعاً: فالأول (“طيارة من ورق” لرندة الشهّال، 2003) ضابطٌ مسؤول عن حاجز عبور بين جانبي بلدة درزية تقع على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، والثاني (“السفارة في العمارة” لعمرو عرفة، 2005) سيكون سفير دولة العدو في القاهرة. لا مقارنة بينهما، فالمقارنة غير جائزةٍ لأنّ الرحباني غير محترفٍ في التمثيل، باستثناء شخصيات مسرحياته، التي يُبدع في كتابتها وتأديتها وفقاً لمزاجه وتفكيره وحركته وسخريته.

مع هذا، يُمكن الاستفادة من مقارنة بين الأداءين، إذْ يظهر لبيب رائعاً في كونه سفيراً إسرائيلياً في بلدٍ عربي، شعبه معادٍ لدولته، لقدرته (الممثل) على منح تلك الشخصية ملامحها الكاملة: خبثٌ واحتيال وابتسامة مخادعة، وتغلغل في المبنى ومع جاره الوحيد (عادل إمام)، وتلاعب بالجميع. بهذا، يُسحِر الممثل المصري في جعل الشخصية السينمائية، رغم ركاكة الفيلم وبهتانه بجوانبه كلّها، نابضةٌ بالحياة والواقعية. الرحباني يؤدّي الدور كأنّه غير معنيّ بالشخصية الحقيقية، إذْ يبدو تمثيله محاولة خروجٍ من صورته الشعبية، مُضفياً، ولو قليلاً، بعض سماته الأصيلة على ضابطٍ عدوٍ (العربي الجديد، 30 يوليو/تموز 2025).

أمّا “شرف”، فنقيض الرواية تماماً، إذْ تغيب السينما عنه (العربي الجديد، 17 يوليو/تموز 2023). الأساسيّ (معتقلون سياسيون في سجنٍ عربي) مهمّ في الرواية، وسرد الحكاية متين الصُنعة وجاذب، والحالة التي يُقيم فيها هؤلاء مروية بسلاسة وعمق، بينما التشتّت والارتباك طاغيان على سيناريو يحتاج إلى تأهيل.