جندي أوكراني في بوكروفسك ـ دونيتسك، 19 إبريل 2025 (أناتولي ستيبانوف/رويترز)
تعد قضية “تبادل الأراضي” بين روسيا وأوكرانيا واحدة من ثلاث قضايا رئيسية بحثها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الاثنين الماضي، والقادة الأوروبيين في واشنطن، في إطار جهود إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن الحقيقة أن لا تبادل أراضٍ مطروح مع روسيا، والمقصود بهذا التعبير تخلي كييف لموسكو عن الأراضي التي احتلتها الأخيرة. ونشر البيت الأبيض صوراً للرئيسين الأميركي والأوكراني مقابل خريطة تظهر المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا داخل أوكرانيا. وقال زيلينسكي إنه تناقش مطولاً مع ترامب، حول الخريطة التي عُرضت في المكتب البيضاوي، وزاد عقب اجتماعات في البيت الأبيض لبحث وقف الحرب في أوكرانيا: “اعترضت على النسب المئوية الواردة في الخريطة، فأنا أعرف هذه الأرقام جيداً”. وأكد زيلينسكي أنه “سيجري البت في مسألة الأراضي بين روسيا وأوكرانيا”، مشدداً على أن هذه المسألة ستُحسم بين كييف وموسكو. وقال ترامب خلال استقباله قادة أوروبيين في البيت الأبيض، الاثنين، إنه “سيتعين علينا بحث تبادل محتمل للأراضي” بين كييف وموسكو.
أوكرانيا والتخلي عن الأراضي
من جانبه كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن القادة الأوروبيين لم يبحثوا مسألة تخلي أوكرانيا عن أراضٍ مقابل اتفاق سلام خلال لقائهم بترامب. ورغم ترك قضية التخلي عن الأراضي للبحث الثنائي بين الجانبين الروسي والأوكراني، والقمة المرتقبة لزعيمي البلدين، فإن البدء في المفاوضات حول أي تبادل للأراضي من دون وقف لإطلاق النار، يعني عملياً تصعيداً على الأرض، فالجانب الأوكراني سيعمل على صد الهجمات الروسية لاحتلال مزيد من الأراضي، وفي المقابل ستكثف روسيا هجماتها من أجل فرض وقائع جديدة لتقوية موقفها على طاولة التفاوض. وبدأ الحديث عن فكرة تبادل الأراضي منذ نجاح أوكرانيا في هجومها على مقاطعة كورسك الروسية في أغسطس/ آب 2024، وحينها كانت كييف تأمل من أنه يمكنها التفاوض على الأراضي التي سيطرت عليها في كورسك، مع أراض احتلتها روسيا منذ بداية الحرب، لكن هذه الآمال انتهت في ربيع العام الحالي بعد نجاح روسيا، بمساعدة قوات من كوريا الشمالية، في تحرير مقاطعة كورسك، والتقدم نحو فرض منطقة عازلة في مقاطعة سومي الأوكرانية.
تسيطر روسيا على 99% من لوغانسك وأقل من 1% من سومي
ومنذ لقاء المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف مع الرئيس فلاديمير بوتين في السادس من أغسطس الحالي، رشحت تسريبات أن روسيا مستعدة لوقف إطلاق النار على خطوط التماس في زابوريجيا وخيرسون وتبادل للأراضي، وإنهاء الحرب في حال انسحبت أوكرانيا من منطقة دونباس كاملة أي إقليمي دونيتسك ولوغانسك. ولم يؤكد الكرملين أو ينف هذه المعلومات، ولكن زيلينسكي رفض فكرة التنازل عن الأراضي، والاعتراف قانونياً باحتلال روسيا لأراض في المقاطعات الأربع أو شبه جزيرة القرم، التي احتلتها روسيا في عام 2014. ولا يحق دستورياً لزيلينسكي أو أي من مفاوضيه التنازل قانونياً عن أي أراض أوكرانية. وبموجب التعديلات الدستورية في 2020، لا يحق لبوتين التنازل عن أي جزء من دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون التي ضمتها موسكو في 30 سبتمبر/ أيلول 2022، ولا عن شبه جزيرة القرم التي ضُمت في مارس/ آذار 2014. ولا تقتصر الصعوبات في تنفيذ عمليات التبادل على القضايا الدستورية، فالضخ الإعلامي في الداخل الروسي حول الحرب وأهدافها على أوكرانيا، يمكن أن يتسبب في نقمة القوميين الروس الذين لا يعترفون أصلاً بوجود أوكرانيا باعتبارها كياناً مستقلاً. ويمكن أن تزداد النقمة في حال الكشف عن العدد الدقيق للقتلى والجرحى جراء الحرب. كما أن الكرملين يبدي علامات ضعف في حال تراجع عن شروطه السابقة، المتضمنة انسحاب أوكرانيا من أراضي المقاطعات الأربعة بحدودها الإدارية في عام 1991، والاقرار بتبعيتها مع القرم لروسيا.
في المقابل، فإن زيلينسكي في موقف صعب، فقواته على الأرض تواجه ضغوطاً كبيرة، ومنذ الربيع الماضي، فقدت أوكرانيا ورقة كورسك، ومع شحّ المساعدات العسكرية الأميركية، تسارعت وتيرة فقدان الأراضي في دونيتسك منذ مطلع الصيف الحالي، وهناك نقص واضح في عدد الجنود. ويخشى زيلينسكي من أن أي تنازل عن الأراضي يمكن أن يثير غضب القوميين الأوكران، ويفتح الباب أمام تقسيم أوكرانيا ومطالبة دول مثل بولندا والمجر ورومانيا، بأراضٍ كانت تاريخياً لها، أو فيها أقليات عرقية وزانة تابعة لهذه الدول. ومعروف أن روسيا استخدمت هذه الورقة في الاستيلاء على القرم وتثبيت الاحتلال باستفتاء شعبي، وإطلاق الحرب في شرق أوكرانيا عبر وكلاء انفصاليين في 2014، وخوض الحرب مباشرة في 2022. في أوروبا، هناك خشية من أن أي اتفاق على تبادل الأراضي لن يؤدي إلى إنهاء الحرب نهائياً، وقد يفتح الباب على استئنافها لاحقاً. وهناك مخاوف من تكرار تجربة معاهدة ميونيخ 1938، وفيها سمحت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا لألمانيا بضم منطقة السوديت التابعة لتشيكوسلوفاكيا (أصبحت دولتي التشيك وسلوفاكيا في عام 1993) ويقطنها ناطقون بالألمانية، في محاولة لتجنب اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، ولكن المحاولة لم تمنع الزعيم النازي أدولف هتلر من نكث توقيعه عبر غزوه بولندا مُطلقاً الحرب. وطرح ترامب فكرة “تبادل بعض الأراضي” قبيل اجتماعه، الجمعة الماضي، مع بوتين في ألاسكا لإنهاء الحرب.
تحتل روسيا 114 ألف كيلومتر مربع من أوكرانيا من أصل 603 آلاف
ويجب الإشارة إلى أن جميع الأراضي التي يُقال إنها مطروحة للنقاش تقع ضمن حدود أوكرانيا المعترف بها دولياً، من دون أي أراضٍ روسية مطروحة على الطاولة. وبموجب الخطة المسربة عن لقاءات بوتين- ويتكوف، ستتنازل أوكرانيا عن منطقتي دونيتسك ولوغانسك بالكامل، مقابل انسحاب موسكو من منطقتي سومي وخاركيف ودنيبروبتروفسك. ومن المرجح أن يبقى خط المواجهة في منطقتي خيرسون وزابوريجيا كما هو، إلى حين التوصل إلى اتفاقية لإنهاء الحرب. وحتى 18 أغسطس الحالي، تحتل روسيا 114493 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية، البالغة مساحتها 603628 كيلومتراً مربعاً وفق حدود 1991، حسب خط المواجهة من خريطة مفتوحة المصدر لموقع “ديب ستيت”، وبيانات مركز دراسات الحرب الأميركي. وتجدر الإشارة إلى أنه رغم تكثيف روسيا هجماتها على مقاطعة دونيتسك، فإنها لم تستطع خلال الأسبوع الماضي من السيطرة على أكثر من 50 كيلومتراً مربعاً. وتصل النسبة الإجمالية للأراضي التي تسيطر عليها روسيا من أوكرانيا إلى نحو 20% من الأراضي، وهنا يشار أيضاً إلى أن معظم هذه الأراضي سيطرت عليها روسيا في الأشهر الأولى للحرب التي بدأت في 24 فبراير/شباط 2022.
وأفاد موقع “ديب ستيت”، في تقرير مساء الاثنين، بأن روسيا احتلت أقل من 1% من الأراضي الأوكرانية على مدار 1010 أيام من الحرب. وذكر التقرير أن روسيا حققت مكاسب كبيرة في مناطق متعددة من أوكرانيا خلال الأشهر الأولى من الحرب. ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لم تستولِ القوات الروسية سوى على 5842 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية، أي ما يعادل حوالي 0.97% من مساحة البلاد. ومعلوم أن القوات الروسية حققت أكبر مكاسبها في الأيام الأولى من الحرب، في حين استعادت أوكرانيا أراضي واسعة في منطقتي خاركيف وخيرسون خلال هجماتها المضادة في عام 2022، وتحولت الحرب عملياً إلى معركة خنادق. ومنذ ذلك الحين، تباطأ تقدم روسيا لكنه لم يتوقف، وأدت حملتها الصيفية الحالية إلى سيطرتها على أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضي الجديدة خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين. وأظهرت خريطة السيطرة الروسية على الأراضي الأوكرانية، وفقاً لموقع “ديب ستيت” ومركز دراسات الحرب حتى 17 أغسطس الحالي، العديد من النقاط.
منطقة خاركيف (4%)
في المجمل، تحتل روسيا ما يقارب 1271 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة مقاطعة خاركيف البالغة 31400 كيلومتر مربع. ومن ضمن الأراضي المحتلة نحو ألف كيلومتر مربع على حدود خاركيف مع منطقة لوغانسك. وكانت أوكرانيا قد استعادت مدينتي كوبيانسك وليمان اللتين تُشكلان معاقل أوكرانية مهمة لصد التقدم الروسي. وفي إطار جهودها لبناء منطقة عازلة مقابل بيلغورود الروسية، تسيطر القوات الروسية على جيوب صغيرة من الأراضي في منطقة خاركيف، وهي حوالي 82.6 كيلومتراً مربعاً حول بلدة أولينكوف و114.4 كيلومتراً مربعاً حول فوفشانسك. كذلك هناك أيضاً جيب صغير لا يُذكر للوجود الروسي قرب قرية زيلين الحدودية، بمساحة 0.45 كيلومتر مربع فقط.
منطقة زابوريجيا (73%)
تخضع معظم أراضي منطقة زابوريجيا في جنوب أوكرانيا للاحتلال الروسي، بما في ذلك مدينة إينرغودار، التي تضم أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، وهي محطة زابوريجيا للطاقة النووية. وتحتل روسيا حوالي 19750 كيلومتراً مربعاً، من أصل مساحة منطقة زابوريجيا البالغة 27183 كيلومتراً مربعاً. واستولت روسيا على مدينة بيرديانسك الساحلية ومدينة ميليتوبول، مع بداية غزو عام 2022. وبالرغم من التقدم المبكر الذي أحرزته القوات الروسية، فإن جبهة زابوريجيا ظلت راكدة إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة، واحتفظت أوكرانيا بالسيطرة على العاصمة الإقليمية زابوريجيا، التي تحمل اسم المقاطعة أيضاً. وفي الوقت الحاضر، لا توجد أي مؤشرات على أن السيطرة على المحطة النووية ستعود إلى كييف بموجب أي اتفاق سلام.
منطقة لوغانسك (99%)
بحلول عام 2025، ستسيطر موسكو فعلياً على منطقة لوغانسك بأكملها، إذ إن المناطق الوحيدة الخاضعة للسيطرة الأوكرانية هي جيوب على طول الحدود الإقليمية التي حررتها أوكرانيا، بما في ذلك تلك القريبة من بلدتي نوفويغوريفكا وغريكيفسكا غربي إيزيوم من منطقة خاركيف المجاورة. كما تسيطر كييف على مساحة من الأرض على الحدود الجنوبية للمنطقة، شمال نهر دونيتس الذي يمر عبر أوكرانيا وجنوب روسيا.
منطقة خيرسون (69%)
تخضع غالبية منطقة خيرسون الأوكرانية للسيطرة الروسية أيضاً. وحالياً يرسم نهر دنيبر، الذي يمر عبر المنطقة من الشرق إلى الغرب (ومن الشمال إلى الجنوب)، خط المواجهة الفعلي بين القوات الأوكرانية والروسية، فاصلاً المنطقة إلى نصفين شمالي وجنوبي، مع بقاء الجزر الواقعة بينهما موضع اشتباكات متقطعة. ومدينة خيرسون، العاصمة الإدارية للمقاطعة، خارج السيطرة الروسية، وحررتها القوات الأوكرانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 خلال هجوم مضاد، وحينها قالت روسيا إنها أعادت الانتشار وفجرت الجسور على نهر دنيبر. ومنذ ذلك الحين، تواجه خيرسون هجمات روسية يومية. والجبهة هادئة عموماً نظراً لصعوبة أن يحقق أي طرف اختراق بسبب صعوبة عبور نهر دنيبر. وتحتل روسيا حوالي 18510 كيلومترات مربعة من إجمالي مساحة منطقة خيرسون البالغة 28461 كيلومتراً مربعاً. ونظراً لكون المنطقة بوابة إلى شبه جزيرة القرم المحتلة، فمن المستبعد جداً أن تتخلى موسكو عن سيطرتها على الأجزاء التي احتلتها في أي مقترح سلام، والأمر ينطبق على المناطق الجنوبية من دونيتسك، التي تشكل جسراً برياً لوصل القرم مع الأراضي الروسية المعترف بها دولياً.
زيلينسكي رفض فكرة التنازل عن الأراضي الأوكرانية
منطقة دونيتسك (75%)
كثفت روسيا هجماتها في الأسبوعين الأخيرين لاحتلال مدينة بوكروفسك، والانطلاق نحو أربع مدن حصينة في الإقليم لم تستطع روسيا احتلالها منذ 2014، وأهمها كراماتورسك وسلوفيانسك. وبدا أن وتيرة الهجوم الروسي تراجعت في الأسبوع الأخير. وشهدت المنطقة بعضاً من أعنف المعارك أثناء الحرب، بما في ذلك معركة باخموت، التي أسفرت عن انسحاب كييف، بعد أن سوّيت المدينة بالأرض. وتسيطر روسيا على 19950 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة إقليم دونيتسك البالغة 26517 كيلومتراً مربعاً.
منطقة سومي (أقل من 1%)
على الرغم من محاولات روسيا لبناء منطقة عازلة في سومي، بعد تحرير كورسك في الربيع الماضي، فإن القوات الروسية تحتل فقط جيباً صغيراً من الأراضي المحاذية لمنطقة كورسك، تبلغ مساحته حوالي 210 كيلومترات مربعة من إجمالي مساحة المنطقة البالغة 23800 كيلومتر مربع. وفي حال صدقت التسريبات حول صفقة التبادل التي اقترحها بوتين على ويتكوف، فإن روسيا ستستطيع السيطرة على قرابة سبعة آلاف كيلومتر مربع من منطقة دونيتسك، التي تضم أقوى الخطوط الدفاعية الأوكرانية من دون أي خسائر بشرية. وفي المقابل فإنها ستنسحب فقط من قرابة 1500 كيلومتر من مقاطعتي خاركيف وسومي الأوكرانيتين.