خالد حفتر يحضر مؤتمراً في جنوب ليبيا، 5 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
أفادت مصادر برلمانية بأنّ رئاسة مجلس النواب الليبي في بنغازي عرضت خلال جلسة المجلس، اليوم الثلاثاء، قراراً يقضي بتعيين خالد نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منصب رئيس الأركان العامة للجيش، من دون أن يواجه أي اعتراض من النواب الحاضرين.
وبحسب المعلومات التي أدلت بها المصادر لـ”العربي الجديد”، فإنّ القرار وقّعه رئيس المجلس عقيلة صالح بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. ويأتي هذا التطور بعد أن كان المجلس قد صادق في جلسته، أمس الاثنين، على قرار سابق لحفتر بتعيين نجله صدام نائباً له في ما يعرف بـ”القيادة العامة للجيش الوطني”، إلى جانب إقرار نقل رئيس الأركان العامة الفريق عبد الرزاق الناظوري من منصبه وتكليفه بمهام مستشار للأمن القومي التابع لمجلس النواب.
ولم يعلن المجلس بشكل رسمي عن هذين القرارين، مكتفياً ببيان أصدره عقب جلسة الأمس أشار فيه إلى أن الجلسة ناقشت مقترحاً قدّمه أكثر من سبعين نائباً (من أصل 200) يقضي بتعديل القانون العسكري في ما يتعلق بصلاحيات المستويات القيادية في الجيش، موضحاً أن التعديل حاز موافقة النواب بالإجماع، من دون أن يكشف عن تفاصيله. وكانت ذات المصادر البرلمانية قد رجّحت في وقت سابق أن نقل الناظوري من منصبه كرئيس للأركان العامة إلى منصب استشاري خطوة في طريق تعيين خالد بديلاً عنه.
وتمنح قرارات مجلس النواب هذه غطاءً تشريعياً لمساعي خليفة حفتر في تمكين نجليه من مواقع عليا داخل الهيكل العسكري الذي أسسه منذ أعوام، في مسار تصاعدي برز خلاله الشقيقان في السنوات الأخيرة. فقد بدأ صدام ظهوره العسكري عام 2021 بتشكيل “الكتيبة 106” تحت قيادته، ثم تسلّم قيادة “لواء طارق بن زياد” بعد دمج الكتيبة فيه، وصعد في مايو/ أيار 2024 إلى رتبة فريق ليتولى رئاسة أركان القوات البرية، ما منحه نفوذاً واسعاً على القوات المنتشرة بوسط وجنوب البلاد، وصولاً إلى منصب نائب القائد العام.
أما خالد حفتر فتأخر بروزه نسبياً، إذ تسلّم أواخر 2021 قيادة اللواء 128 بعد إعادة تسميته بـ”لواء حمزة بن عبد المطلب”، ثم رُقّي إلى رتبة فريق في يوليو/تموز 2023 وتولّى رئاسة أركان الوحدات الأمنية، ليصبح الرجل الثاني بعد شقيقه. وازدادت أهميته باستقباله شخصيات عسكرية روسية مثل نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف خلال زيارته إلى بنغازي.
في المقابل، حمل قرار تكليف عبد الرزاق الناظوري مستشاراً للأمن القومي إزاحته من منصب رئيس الأركان الذي عيّنه فيه مجلس النواب منذ 2014، إذ يُعد أحد أبرز الضباط الذين رافقوا حفتر منذ “عملية الكرامة”. وبهذا القرار يلتحق الناظوري بعدد من الضباط الذين تراجع دورهم أخيراً، مثل اللواء عبد السلام الحاسي الذي عُيّن نائباً لصدام في قيادة القوات البرية بعد أن كان آمراً للقوات الخاصة، واللواء محمد المنفور قائد القوات الجوية الذي أُقيل من منصبه، واللواء فوزي المنصوري أحد قادة حرب طرابلس الذي نُقل لمهام ثانوية في الجنوب، والعقيد حسن الزادمة قائد اللواء 128 مشاة الذي أُقيل مطلع العام الحالي، وأُعيد تعيينه في موقع أدنى تحت إمرة صدام.
وقد أثارت هذه التعيينات جدلاً سياسياً وقانونياً، إذ أعلن نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، الأسبوع الماضي، دعوة المجلس الرئاسي لاجتماع عاجل بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، مؤكداً أن استحداث منصب نائب للقائد العام ليس من صلاحيات حفتر، وأن أي تعيين في قمة هرم المؤسسة العسكرية يجب أن يتم بقرار من المجلس الرئاسي مجتمعاً وفقاً للقوانين النافذة، محذراً من أن الخطوة تعمّق الانقسام العسكري.
في المقابل، سارع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح للترحيب بالقرار واعتبر تكليف صدام “خطوة حكيمة تعكس الثقة في كفاءته وخبرته”، فيما أصدر رئيس الحكومة المكلّفة من البرلمان أسامة حماد بياناً أيّد فيه القرار واعتبره منسجماً مع “رؤية 2030” لتطوير المؤسسة العسكرية.
وبينما لم يصدر رد رسمي عن المجلس الرئاسي على دعوة اللافي، فإن الموقف يعكس استمرار الخلاف حول منصب القائد الأعلى للجيش، إذ يتمسك المجلس الرئاسي باتفاق جنيف السياسي لعام 2021 الذي منحه هذه الصفة، فيما يصرّ مجلس النواب على نقلها إليه بعد أن أعلن انتهاء ولاية المجلس الرئاسي في أغسطس/ آب الماضي، وهو قرار رفضه الأخير واعتبره غير دستوري.
تكالة يرفض قرارات تعيين نجلي حفتر
من جانبه، أبلغ رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، البعثةَ الأممية في ليبيا، برفضه الإجراءات التي اتخذها مجلس النواب بشأن تعيين المناصب القيادية في المؤسسة العسكرية، واعتبرها خرقًا للاتفاق السياسي الليبي، كما دعا مجلس النواب إلى التراجع الفوري عنها. وفي رسالة وجّهها تكالة إلى الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة البعثة الأممية في ليبيا، هانا تيتيه، اليوم الثلاثاء، أوضح أن مجلس النواب قام بـ”اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لتعيين أو تكليف مناصب قيادية عليا في المؤسسة العسكرية دون أي تشاور أو توافق مع المجلس الأعلى للدولة”، في إشارة إلى مصادقته على قرار خليفة حفتر بشأن تعيين نجله صدام نائبًا له فيما يُعرف بـ”القيادة العامة للجيش الوطني”، وتعيين نجله الآخر خالد رئيسًا للأركان العامة.
واعتبر تكالة أن إجراءات مجلس النواب هذه تمثّل “خرقًا مباشرًا وصريحًا للاتفاق السياسي” الذي نصّ على ضرورة التشاور مع المجلس الأعلى للدولة بشأن المواقع العسكرية، مضيفًا: “إن المجلس الأعلى للدولة، إذ يعبّر عن رفضه الكامل لهذا الإجراء، يؤكد أن هذه الخطوة الأحادية تقوّض أساس الشرعية الدستورية ومدنية الدولة، وتهدد بتوسيع حالة الانقسام داخل المؤسسات السيادية، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، وتضعف من فرص إعادة توحيدها وفق ما نصّت عليه خريطة الطريق والمسار السياسي المدعوم من البعثة الأممية”.
وطلب تكالة من تيتيه تسجيل إجراءات مجلس النواب “رسمياً ضمن تقارير البعثة وإحاطتها”، كما طالبها بضرورة “توجيه دعوة صريحة لكافة الأطراف السياسية باحترام مقتضيات الاتفاق السياسي والتقيّد الصارم ببنوده”، مشدداً على ضرورة “قيام البعثة بدورها في ضمان التزام كافة المؤسسات الليبية بالمسار التوافقي أساساً لأي تسميات أو ترتيبات تخص المناصب العليا”.
وبالتوازي مع ذلك، وجّه تكالة رسالة إلى رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أبلغه فيها برفض المجلس الأعلى للدولة “الكامل” لإجراءات التعيين العسكرية التي أصدرها أخيراً، وطالبه بـ”التراجع الفوري عنها، والعودة إلى منطق التوافق والشراكة الوطنية، والانخراط في حوار مسؤول يفضي إلى تسمية توافقية للمناصب العسكرية، صوناً لوحدة المؤسسة العسكرية واحتراماً للشرعية السياسية”.