من قمة الذكاء الاصطناعي في باريس، 10 فبراير 2025 (جويل ساجيت/Getty)
أشعل استطلاع للرأي أجري لصالح مؤسسة مينديرو المملوكة لرجل الأعمال أندرو فوريست وزوجته نيكولا سجالاً واسعاً في أستراليا حول حقوق المبدعين في مواجهة التوسع السريع للذكاء الاصطناعي. وبحسب ما نشرته صحيفة “ذا أستراليان”، اليوم الثلاثاء، فقد شارك في الاستطلاع ألفا شخص إلى جانب 6 مجموعات نقاش، وأظهرت نتائجه أن 61 في المائة من الأستراليين يفضلون نهجاً تنظيمياً متوازناً وحازماً يحمي حقوق الأفراد ويشجع الابتكار، بينما ارتفعت النسبة إلى 64 في المائة لصالح فرض قيود صارمة عند استبعاد خيار التوازن، حتى لو انعكس ذلك على مكاسب الإنتاجية.
الاستطلاع حول الذكاء الاصطناعي جاء في توقيت حساس تشهد فيه البلاد نقاشات برلمانية حول إصلاح قوانين حقوق النشر. ونقلت الصحيفة الأسترالية عن الرئيس التنفيذي لمؤسسة مينديرو، قوله إن الخطر الحقيقي على المكاسب الإنتاجية ليس في التقنية نفسها، بل في غياب الثقة العامة إذا لم يكن هناك تنظيم عادل وشفاف. وأضاف أن بناء إطار قانوني واضح يمثل شرطاً أساسياً لتمكين الصناعة من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي من دون التضحية بحقوق المبدعين.
واتخذ الجدل بعداً أكثر سخونة بعدما دخل الملياردير سكوت فاركوهار، المؤسس المشارك لشركة البرمجيات الأسترالية أتلاسيان، ورئيس مجلس التكنولوجيا الأسترالي، على خط المواجهة. فقد دعا فاركوهار إلى اعتماد نموذج مشابه لما يعرف بالاستخدام العادل في الولايات المتحدة، محذراً من أن الغموض القانوني قد يثني المستثمرين عن ضخ مليارات الدولارات في قطاع الذكاء الاصطناعي الأسترالي. في المقابل، يقود فوريست حملة لفرض ضوابط صارمة على شركات التقنية، معتبراً أن حماية المبدعين أولوية لا تحتمل المساومة.
الصراع بين أندرو فوريست وسكوت فاركوهار يجسد المعادلة الاقتصادية الصعبة التي تواجهها أستراليا. فمن جهة، يرى فوريست أن حماية الاقتصاد الإبداعي التقليدي مثل الموسيقى والنشر والإعلام شرط أساسي لاستدامة الإيرادات وحماية آلاف الوظائف، وأن السماح لشركات التقنية باستخدام هذه الأعمال مجاناً يعادل إفراغ السوق من قيمته الحقيقية.
من جهة أخرى، يعتبر فاركوهار أن تشريعات صارمة ستجعل البلاد أقل جاذبية لرؤوس الأموال الدولية في قطاع الذكاء الاصطناعي، وأن الانفتاح القانوني ضروري لجذب استثمارات بمليارات الدولارات تعزز الإنتاجية وتزيد مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي. وبحسب الصحيفة، فإن الموقفين يمثلان صراعاً بين “الاقتصاد التقليدي للإبداع” و”اقتصاد الإنتاجية الرقمية”، وكلاهما ركيزة أساسية للنمو.
ويتضح الأثر الاقتصادي لهذه المعادلة بجلاء في قطاع الصناعات الإبداعية، حيث تعتمد آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة على حماية حقوقها الفكرية مصدراً أساسياً للدخل. وأي تغيير في القوانين يتيح لشركات التقنية استخدام هذه الأعمال مجاناً سيؤدي، وفق “ذا أستراليان”، إلى خسائر سنوية بمئات الملايين من الدولارات، وهو ما يعني تراجعاً في مساهمة هذه الصناعات في الناتج المحلي وفقداناً لآلاف الوظائف.
ووفق تقرير صادر عن وزارة الفنون الأسترالية، بلغت مساهمة الأنشطة الثقافية والإبداعية 63.7 مليار دولار خلال عامي 2022 – 2023، أي ما يعادل 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك مثلت هذه الأنشطة 3.7% من إجمالي الشركات، ووفرت نحو 282 ألف وظيفة، بما يعادل 2.4% من قوة العمل الوطنية. ويفسر هذا السيناريو سبب التمسك الشديد لفوريست، ومن خلفه الهيئات الثقافية بضرورة فرض ضوابط صارمة على أنشطة الذكاء الاصطناعي.
وفي المقابل، يرى تيار فاركوهار أن أي قيود واسعة النطاق ستجعل أستراليا أقل تنافسية مقارنة بالولايات المتحدة أو سنغافورة، أو حتى المملكة المتحدة، حيث يتمتع المستثمرون ببيئة قانونية أكثر مرونة.
وبحسب تقديرات مجلس التكنولوجيا الأسترالي، فإن سوق الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف ما بين 10 إلى 20 مليار دولار للاقتصاد المحلي بحلول عام 2030 إذا استُقطِبَت الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومن هذا المنطلق، فإن تخفيف القيود القانونية ينظر إليه على أنه أداة لخلق ميزة تنافسية في جذب رؤوس الأموال، حتى لو كان ذلك على حساب الصناعات الإبداعية التقليدية.
وتعكس ردود الفعل الصادرة عن الهيئات الثقافية والفنية البعد الاقتصادي الخفي لهذه الأزمة. فالفنانون يرون أن أعمالهم ليست مجرد منتجات ثقافية، بل هي جزء من سلسلة قيمة عالمية تدر عوائد مالية مهمة عبر التوزيع الرقمي والعروض المباشرة وحقوق الترخيص.
وتجاهل هذه الحقيقة قد يؤدي، بحسب الصحيفة، إلى إضعاف دورة اقتصادية قائمة بالفعل، وهو ما وصفه اتحاد منتجي التسجيلات والجمعية الأسترالية لحقوق المؤلفين بأنه “منافسة غير عادلة”، حيث تستفيد الشركات التقنية من محتوى مجاني لبناء منتجات رقمية جديدة تباع بأرباح عالية دون إعادة توزيع العوائد على أصحاب الحقوق الأصليين. وأشارت الصحيفة إلى أن الصراع بين فوريست وفاركوهار ليس مجرد خلاف شخصي بين مليارديرين، بل هو انعكاس لصراع اقتصادي أوسع حول شكل المستقبل الذي تريده أستراليا.