ناريندرا مودي برفقة الرئيس الصيني بقمة بريكس في غاو، 16 أكتوبر 2016 (فرانس برس)
في خطوة مفاجئة تحمل دلالات اقتصادية وسياسية في آن واحد، قررت بكين رفع القيود المفروضة على صادرات الأسمدة والمعادن النادرة وآلات حفر الأنفاق إلى الهند، وهي البنود الثلاثة التي كانت موضع مفاوضات شاقة بين الجانبين خلال الأشهر الأخيرة. وبحسب ما نشرته صحيفة إيكونوميك تايمز، اليوم الثلاثاء، فإن وزير الخارجية الصيني وانغ يي أبلغ نظيره الهندي إس جايشانكار خلال زيارته الأخيرة إلى نيودلهي بأن الصين استجابت للمطالب الهندية، وبدأت بالفعل في إرسال الشحنات، في خطوة وصفت بأنها انفراجة كبيرة في العلاقات الثنائية.
وجاء القرار بعد أشهر من التوترات التي نتجت عن قيود فرضتها بكين بشكل مفاجئ على صادرات أساسية شكّلت مصدر قلق لنيودلهي، إذ تسببت هذه القيود في اضطراب إمدادات الأسمدة التي تعتمد عليها الزراعة الهندية بشكل كبير، وأدت إلى نقص واضح في فوسفات ثنائي الأمونيوم الذي يعد من العناصر الحيوية لموسم الزراعة الشتوي. وبحسب “إيكونوميك تايمز” فإن الحكومة الهندية كانت قد وجهت انتقادات علنية لهذه الخطوة، معتبرة أنها تهدد الأمن الغذائي وتضغط على المزارعين في فترة حساسة. ومع رفع الحظر من المتوقع أن تستعيد الأسواق الزراعية الهندية توازنها، وأن يجري تأمين الموسم المقبل من دون اضطرار نيودلهي للبحث عن بدائل مكلفة في أسواق بعيدة.
ولم تتوقف تداعيات الأزمة عند الزراعة فحسب، بل امتدت إلى قطاعات صناعية استراتيجية مثل صناعة السيارات والإلكترونيات. وأشارت الصحيفة إلى أن القيود التي فرضتها بكين على صادرات المعادن النادرة والمغناطيسات انعكست بشكل مباشر على خطوط الإنتاج، وأدت إلى تباطؤ عمليات التصنيع وارتفاع التكاليف، وهو ما أثار مخاوف من فقدان الهند بعض ميزاتها التنافسية في هذه الصناعات. ويعيد رفع القيود الأمل إلى المصانع التي واجهت نقصاً في المواد الأساسية، لكنه في الوقت نفسه يبرز هشاشة اعتماد الهند على مصدر واحد لتوريد مواد بالغة الأهمية.
أما في مجال البنية التحتية فقد كان لتعطيل شحنات آلات حفر الأنفاق أثر مباشر بمشاريع كبرى في الهند. وذكرت إيكونوميك تايمز أن هذه المعدات كانت مخصصة لشبكات المترو والطرق السريعة ومشروعات الطاقة، وأن تأخر وصولها أبطأ وتيرة العمل في بعض المشاريع الاستراتيجية. استئناف التصدير يعني أن قطاع البنية التحتية، الذي يعد أحد أعمدة برنامج رئيس الوزراء ناريندرا مودي الاقتصادي، سيستعيد نشاطه بعد شهور من الجمود.
وكشفت رويترز، اليوم الثلاثاء، أن وانغ يي طمأن خلال المحادثات كبار المسؤولين الهنود، بمن فيهم وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي أجيت دوفال، بأن بكين تعالج ثلاثة ملفات أساسية هي الأسمدة والمعادن النادرة وآلات حفر الأنفاق. وأوضحت الوكالة أن هذه الرسائل جاءت في سياق الجولة الرابعة والعشرين من محادثات الحدود التي تزامنت مع تحضير رئيس الوزراء ناريندرا مودي لزيارة الصين، للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون. وأظهرت البيانات الجمركية الصينية أن صادرات المغناطيسات النادرة إلى الهند تراجعت بنسبة 58% مقارنة بمستويات يناير/كانون الثاني، رغم أن الصادرات إلى أوروبا والولايات المتحدة ارتفعت بعد اتفاقات سابقة لتسريع التراخيص.
وأوضحت المصادر التي تحدثت لرويترز أن الأمر لم يتضح بعد بشأن طبيعة الإجراءات التي ستتخذها بكين، وما إذا كانت ستشمل تسريع منح تراخيص التصدير، أو تقديم إعفاءات شاملة للهند. ولم ترد وزارة التجارة الصينية فوراً على طلب للتعليق لرويترز، في حين لم تقدم وزارتا الخارجية والمناجم في الهند ردوداً مباشرة، ما يعكس حساسية الموضوع واستمرار التفاوض حول تفاصيله. وبالرغم من امتلاك الهند خامس أكبر احتياطي للمعادن النادرة في العالم عند 6.9 ملايين طن متري، فإنها لا تملك صناعة محلية لإنتاج المغناطيس، ما يجعلها معتمدة بشكل شبه كامل على الواردات من الصين. وهو ما يثير قلقاً متزايداً في الأوساط الصناعية والسياسية، إذ تعني أن أي قرار من بكين يمكن أن يؤثر مباشرة في مسار الصناعات الاستراتيجية الهندية. وبحسب رويترز فإن شركات السيارات والإلكترونيات حذرت من أن استمرار النقص قد يؤدي إلى شلل في الإنتاج، وتراجع في التنافسية.
ويأتي القرار الصيني في وقت تواجه فيه الهند ضغوطاً أميركية متزايدة بسبب علاقاتها مع روسيا. فقد فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب رسوماً إضافية بنسبة 25% على الواردات الهندية لتصل إلى 50%، في خطوة اعتبرتها وسائل الإعلام الهندية عقابية. في المقابل، أظهرت واشنطن مرونة أكبر مع بكين عبر تمديد الهدنة التجارية وتأجيل فرض رسوم جديدة لمدة 90 يوماً، بل والسماح مجدداً بتصدير شرائح متقدمة إلى الصين.
وقال خبراء لوسائل إعلام هندية، إن رفع القيود يمثل مكسباً تفاوضياً للهند في المدى القصير، لكنه يضع أمامها تحدياً استراتيجياً يتمثل في تقليل الاعتماد على الصين في مجالات حيوية. أما بالنسبة لبكين، فإن الخطوة تعكس براغماتية تهدف إلى تحسين الأجواء مع جارها العملاق في لحظة تواجه فيها تحديات معقدة في علاقاتها مع الغرب. ووصفت وكالة شينخوا الأجواء الحالية بين بكين ونيودلهي بأنها إيجابية، واعتبرت أن هناك فرصة لبناء تعاون أوسع في مختلف المجالات، فيما حذرت وسائل الإعلام الهندية من أن الاعتماد المفرط على الصين قد يتحول إلى نقطة ضعف في أي مواجهة مستقبلية.