أخبار الاقتصاد

المعادن النادرة.. ورقة الصين الأقوى في صراع النفوذ مع الغرب


خاص

المعادن النادرة - الساماريوم

المعادن النادرة – الساماريوم

تتصاعد المخاوف العالمية مع احتدام الصراع التجاري بين الصين والغرب، حيث تحولت المعادن النادرة إلى محور رئيسي في التنافس الاقتصادي والجيوسياسي، لا سيما وأن هذه الموارد الاستراتيجية كعنصر صناعي تقني أصبحت أداة حساسة تترجم حجم النفوذ الذي تملكه بكين في الأسواق العالمية.

تتجه الأنظار الآن إلى الخطوات الصينية المتسارعة لتنظيم إنتاج وتصدير هذه المعادن، في وقت تعاني فيه الشركات الأوروبية والأميركية من ضبابية في سلاسل الإمداد وارتفاع كلفة الوصول إلى المواد الأساسية. المشهد بات يتجاوز الأبعاد التجارية المباشرة ليعكس رهانات مرتبطة بالاستدامة، والتكنولوجيا المتقدمة، والأمن الاقتصادي الدولي.

بحسب غرفة التجارة الأوروبية في الصين، فإن:

  • الصين لا تزال ترفض منح الشركات الأجنبية إمكانية الوصول إلى المعادن النادرة التي تشتد الحاجة إليها.
  • أحد الأعضاء على الأقل خسر “ملايين اليورو” نتيجة لذلك (دون ذكر اسم الشركة).
  • الأعضاء الآخرين ما زالوا لا يملكون وضوحاً بشأن عملية متسقة للوصول إلى المعادن.
  • ويشار إلى أن المعادن النادرة فئة من المعادن الأساسية لمجموعة واسعة من المنتجات، من السيارات إلى أشباه الموصلات.

وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، تسيطر بكين على أكثر من 69 بالمئة من إنتاج مناجم المعادن النادرة بحلول عام 2024، وما يقرب من نصف احتياطيات العالم.

ويشير تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية إلى أن الصين استغلت هذه السيطرة في محادثاتها التجارية مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين.

  • منذ أواخر العام الماضي، شددت الصين قيودها على صادرات المعادن الأرضية النادرة، حتى أنها طالبت بإثبات عدم استخدامها لأغراض عسكرية.
  • بدأت الصين في إصدار تراخيص تصدير للاستخدام مرة واحدة بعد هدنة تجارية مع الولايات المتحدة في منتصف مايو.

وتشكل القيود المتزايدة على الوصول إلى المعادن النادرة التحدي الأحدث للشركات الدولية التي وقعت في خضم التوترات التجارية مع الصين، بحسب التقرير.

وحذرت شركات أوروبية وأميركية من نقص في المعادن النادرة في الربع الثالث من العام، بالإضافة إلى الاضطرابات في الإنتاج في وقت سابق من هذا العام.

استراتيجية بكين

تعليقاً على ذلك، تقول الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” تعليقاً على الجدل الدائر حول عبارة “الصين ترفض توفير الموارد النادرة”:

  • “من المهم أن نتعامل مع هذه العبارة بنظرة موضوعية ودقيقة. فالصين، باعتبارها أحد الموردين الرئيسيين للموارد الأرضية النادرة في العالم، لطالما حافظت على موقف مسؤول في تعاونها التجاري الدولي.
  • لم يحدث أن امتنعت الصين عن تزويد أي دولة أو شركة بهذه الموارد دون مبرر. بل إن الهدف من تنظيم صناعة الأراضي النادرة هو تحقيق استغلال مستدام للموارد، وتقليل الأضرار البيئية، ودفع الصناعة نحو التحديث وزيادة القيمة المضافة، في انسجام مع المفهوم العالمي للتنمية الخضراء.

وتشير إلى أن الصين تسعى دائمًا لضمان استقرار وأمان سلسلة الإمدادات العالمية، موضحة أن صدور قانون تنظيم تلك الموارد النادرة الذي وقعه رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ في يونيو 2024، يأتي لحماية الموارد وتوجيه الصناعة نحو التكنولوجيا المتقدمة والتنمية المستدامة. وتؤكد أن هذا القانون ليس خطوة تقييدية ضد دول أو شركات بعينها، وإنما هو جزء من استراتيجية وطنية تهدف لحماية البيئة وضمان الاستخدام الرشيد للموارد.

كما تلفت شين هوا إلى أن صادرات الصين من الأراضي النادرة تعكس التزامها بالسوق العالمية، مؤكدة في الوقت نفسه أن تنظيم الموارد عبر سياسة تحديد الكميات يتماشى مع الممارسات الدولية المتبعة، ويهدف إلى منع الاستنزاف المفرط للموارد ودفع الصناعة نحو الابتكار ورفع القيمة المضافة، وهو ما يصب في مصلحة استقرار سلاسل الإمداد العالمية.

وتختم شين هوا تصريحها بالقول:

  • “لم تنظر الصين يومًا إلى تلك الموارد كأداة جيوسياسية، بل كموارد استراتيجية يجب إدارتها بعقلانية ومسؤولية”.
  • “إن الصين، من خلال سياساتها وإمداداتها المستقرة، لا تدعم فقط اقتصادها المحلي، بل تسهم أيضاً في التنمية المستدامة للاقتصاد العالمي”.
  • “ومن هنا، فإن التعاون والحوار بين جميع الدول يبقى الطريق الأمثل لضمان استغلال عادل ومستدام لهذه الموارد الحيوية”.

الصين تواصل التفوق

وفي السياق، تواصل الصين التفوق في أسواق مختلفة، بما في ذلك أسواق آسيا الوسطى. فعلى مدار العام الماضي، سعت الولايات المتحدة إلى توسيع تعاونها مع دول آسيا الوسطى في مجال المعادن الأساسية. ويجري ذلك في محاولة للحد من سيطرة الصين الخانقة على الموارد الحيوية لمجموعة من الصناعات التي تتنافس فيها بكين وواشنطن.

مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة متأخرة عن الصين في آسيا الوسطى . وقد وضعت بكين منذ فترة طويلة استراتيجية فعّالة لترسيخ مكانتها كجهة فاعلة في قطاع المعادن الحيوي في المنطقة. وتُعدّ أوزبكستان محورًا رئيسيًا في هذا التعاون، بحسب تقرير لصحيفة ” تشاينا مورنينغ بوست”.

على سبيل المثال، في أواخر يوليو، اقترحت جمعية رواد الأعمال الصينيين في أوزبكستان إنشاء صندوق استثماري بقيمة 500 مليون دولار أميركي لتطوير إمكانات البلاد في مجال المعادن الخضراء.

وفي أوائل أغسطس، توصلت مجموعة الذهب الوطنية الصينية المملوكة للدولة إلى اتفاق مع أوزبكستان لتوسيع التعاون في الاستكشاف الجيولوجي في المناطق الواعدة للمعادن الثمينة والمعادن الحيوية.

باحث اقتصادي: لا مبرر لمعاقبة بنوك الصين بسبب حرب أوكرانيا

سيطرة صينية

من جانبه، يقول مستشار أسواق الطاقة، الدكتور مصطفى البزركان، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:

  • الصين تواصل سياستها في السيطرة على مناجم ومصادر المعادن النادرة، سواء تلك التي تمتلكها داخل أراضيها أو التي تمكنت من الاستحواذ عليها في إفريقيا منذ سنوات طويلة عبر اتفاقات استراتيجية مع دول القارة.
  • هذه المعادن النادرة تحولت إلى ورقة ضغط صينية في مواجهة التهديدات والضغوط الأميركية والغربية، ومن بينها الرسوم الجمركية التي يلوّح بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالإضافة إلى الضغوط المفروضة على دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لإلزامها بفرض قيود على الصين والشركات الصينية المتعاملة مع النفط الروسي.

ويضيف: المعادن النادرة باتت مطلوبة على نطاق واسع في مختلف الأجهزة والتقنيات الخاصة بقطاع الاتصالات، والتي تعتمد عليها شركات التكنولوجيا المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة. وبالتالي فإن الصين، بحسب البزركان، تستخدم هذه الورقة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والتجارية تجاه التهديدات التي تستهدف إضعاف اقتصادها وعلاقاتها مع دول العالم.

ويشير إلى أن عشرات الشركات الأوروبية باتت تواجه خسائر كبيرة نتيجة هذه التطورات، قد تدفع بعضها إلى الإفلاس والخروج من قطاعات اقتصادية حيوية تنشط فيها.

ويختتم الدكتور البزركان بالقول: “السؤال المطروح اليوم، هل تعي دول وشركات الاتحاد الأوروبي أين تكمن مصالحها وتنحاز لتحقيقها؟ أم أنها ستستسلم للضغوط الأميركية وتدفع الثمن الاقتصادي الباهظ لذلك؟”.

اجتماع مرتقب

ويشار إلى أنه من المقرر أن يجتمع كبار قادة الصين في أكتوبر لمناقشة أهداف التنمية للفترة من 2026 إلى 2030.

وتضع بكين خططاً مماثلة كل خمس سنوات. وتُختتم النسخة الرابعة عشرة، التي أُطلقت عام 2021، بنهاية هذا العام، على أن تبدأ النسخة الخامسة عشرة العام المقبل.

وستراقب الشركات الأوروبية هذا الاجتماع عن كثب، حيث تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حيث بلغ حجم التجارة بينهما 732 مليار يورو في عام 2024.

سند: المعادن النادرة مفتاح التفاهم التجاري بين واشنطن وبكين