
علم اليابان
تتصاعد الضغوط على الاقتصاد الياباني تحت وطأة الرسوم الجمركية الأميركية، وبما يفتح الباب أمام مرحلة أكثر تعقيداً في علاقة طوكيو التجارية مع واشنطن، رغم التوصل لاتفاق هدأ الكثير من المخاوف.
يأتي ذلك في وقت تبدو فيه مؤشرات النمو هشّة، وتعكس البيانات الرسمية ضعفاً متكرراً في الصادرات، ما يثير تساؤلات حول قدرة رابع أكبر اقتصاد في العالم على الصمود في وجه هذه العواصف.
تواجه الشركات اليابانية تحديات متزايدة مع تغير خريطة التبادل التجاري، إذ لم يعد خفض جزئي للرسوم كافياً لإعادة الطمأنينة إلى السوق. وذلك في وقت تتداخل فيه الضغوط الخارجية مع مصاعب داخلية متمثلة في ارتفاع التكاليف وتراجع الاستهلاك المحلي، لتجعل المشهد أكثر تعقيداً وتضع قطاعات حيوية، وعلى رأسها صناعة السيارات، أمام اختبار مصيري.
يشير تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن التأثير السلبي للرسوم الجمركية المرتفعة على اليابان أصبح أكثر وضوحا، مع بقاء صادرات البلاد ضعيفة في أغسطس مع انخفاض الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بشكل أكبر.
وبحسب بيانات وزارة المالية، الصادرة يوم الأربعاء، فإن الصادرات إلى الولايات المتحدة انخفضت بنحو 14 بالمئة مقارنة بالعام السابق، وذلك بسبب ضعف الطلب على السيارات وآلات تصنيع الرقائق. يُقارن هذا بانخفاض يوليو بنسبة 10.1 بالمئة، ويمثل انخفاضًا للشهر الخامس على التوالي.
وانكمش الفائض التجاري لليابان مع الولايات المتحدة أيضا، حيث انخفض بنسبة 50.5 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.
وخفضت الشركات اليابانية أسعار السيارات المباعة في الولايات المتحدة لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية، لكن انخفاض حجم صادرات السيارات يعد -وفق التقرير- علامة مقلقة على أن الرسوم الجمركية المرتفعة تؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية لشركات صناعة السيارات في السوق الأمريكية.
ويشار إلى أنه بعد أشهر من المحادثات التجارية، نجحت اليابان في إقناع واشنطن بخفض الرسوم الجمركية على السيارات إلى معدل مخفّض دخل حيز التنفيذ يوم الثلاثاء. ومع ذلك، لا تزال شركات صناعة السيارات تواجه عبئًا أثقل بكثير مما كانت عليه في فترة ما قبل ترامب.
رغم انخفاض الرسوم الجمركية على السيارات من 27.5 بالمئة إلى 15 بالمئة، إلا أنها لا تزال تُمثل زيادة كبيرة مقارنةً بنسبة 2.5 بالمئة السابقة. ومن المرجح أن يستمر انخفاض صادرات السيارات المتجهة إلى الولايات المتحدة من حيث الحجم، ويعود ذلك أساسًا إلى تراجع القدرة التنافسية السعرية، وفقًا لتصريح الخبير الاقتصادي في معهد NLI للأبحاث، تارو سايتو.
وانخفض حجم شحنات السيارات المتجهة إلى الولايات المتحدة بنسبة 9.5 بالمئة في أغسطس مقارنة بالعام السابق، في حين انخفضت القيمة بنسبة 28.4 بالمئة.
إجمالاً، انخفضت صادرات اليابان بنسبة 0.1 بالمئة مقارنةً بالعام السابق. ويُمثل هذا انخفاضًا للشهر الرابع على التوالي، ولكنه كان أفضل من انخفاض يوليو بنسبة 2.6 بالمئة وتوقعات الاقتصاديين بانكماش بنسبة 1.9 بالمئة.
تأثير الرسوم
يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن التحديات الراهنة أمام الاقتصاد الياباني باتت أكثر وضوحاً، خصوصاً بعد التقارير الأخيرة التي أظهرت تراجعاً ملحوظاً في الصادرات نحو الولايات المتحدة، لا سيما في قطاعي السيارات وأشباه المواصلات.
ويشير إلى أن هذا الانخفاض يرتبط بشكل أساسي بالرسوم الجمركية الأميركية، إلى جانب ضعف الطلب العالمي والمخاطر الاقتصادية الخارجية، وهو ما انعكس في تباطؤ الطلب بالأسواق الكبرى (..).
ويضيف أن الضغوط على الشركات المصدّرة تزايدت بسبب ارتفاع التكاليف والأسعار، ما يقلّص من هوامش الأرباح. لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن هناك عوامل يمكن أن تساعد اليابان على الصمود، أبرزها تنويع الأسواق جغرافياً وعدم الاعتماد بشكل مفرط على السوق الأميركية، مع التوسع في آسيا وأوروبا والأسواق الناشئة.
كما يوضح صليبي أن الابتكار والتفوق التكنولوجي يظلان من أهم نقاط القوة للشركات اليابانية في مجالات السيارات، المعدات الإلكترونية، والروبوتات، شريطة الحفاظ على الجودة وضبط التكاليف. ويرى أن التدخل الحكومي وسياسات الدعم يمكن أن تشكل عاملاً محورياً عبر مساندة الشركات المتضررة، وتقديم تسهيلات استثمارية، وتشجيع الإنتاج المحلي بالأسواق المستوردة.
ويشير أيضاً إلى أن سعر صرف الين الياباني أمام الدولار واليورو قد يدعم الصادرات من حيث الأسعار التنافسية، لكنه يحمل في المقابل مخاطر تتمثل في زيادة تكلفة الواردات وارتفاع التضخم المحلي، ما يضع السياسة النقدية لبنك اليابان أمام تحديات إضافية.
ويختم صليبي بالتأكيد أن صمود الاقتصاد الياباني ممكن، لكنه لن يكون بلا كلفة؛ فالشركات الأكثر قدرة على التكيف عبر خفض التكاليف، إعادة هيكلة سلاسل الإمداد، وتنويع الأسواق، ستكون الأقدر على الاستمرار، في حين أن بعض الصناعات شديدة الاعتماد على السوق الأميركية قد تواجه خسائر كبيرة. كما أن تعزيز الطلب المحلي وتحفيز الاستهلاك الداخلي سيبقى عاملاً مهماً في دعم قدرة اليابان على مواجهة هذه التحديات.
ويشار إلى أن اتفاقية التجارة التي توصلت إليها اليابان مع الولايات المتحدة في يوليو خفّضت من حالة عدم اليقين بشأن آفاق التجارة إلى حد ما. لكن يتوقع الاقتصاديون أن تظل الصادرات تحت الضغط، إذ إن التعريفة الجمركية الأميركية التبادلية والبالغة 15 بالمئة على معظم السلع اليابانية أعلى بكثير مما كانت عليه سابقًا.
صدمة للشركات
ووفق “بلومبيرغ” فإن الانخفاض الأخير في صادرات اليابان يأتي في الوقت الذي تواصل فيه الشركات حول العالم استيعاب صدمة سياسات ترامب التجارية. بالنسبة لليابان، التي تعتمد على التصدير، تُعرّض الضربات التجارية نموها الهش للخطر.
- لا تزال الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضتها إدارة ترامب تُعيق التجارة العالمية حتى مع إبرام اتفاقيات.
- في أواخر يوليو، وافقت الولايات المتحدة على خفض الرسوم الجمركية على السيارات اليابانية المستوردة من 27.5 بالمئة إلى 15 بالمئة، والامتناع عن فرض رسوم جمركية سابقة على رسوم جمركية عالمية جديدة بنسبة 15 بالمئة، لكن هذه التغييرات لم تدخل حيز التنفيذ إلا في 16 سبتمبر.
- قد تُشكّل الضربة التي تلقّتها مالية الشركات مصدر قلقٍ لبنك اليابان، إذ يواصل بحثه عن فرصٍ لرفع سعر الفائدة المرجعي تدريجيًا.
- شكّل النموّ القويّ للأجور عنصرًا أساسيًا في خطوات تطبيع السياسة النقدية التي اتخذها بنك اليابان حتى الآن، ومع بقاء التضخم عند أو فوق هدفه البالغ 2 بالمئة لأكثر من ثلاث سنوات، استمرت التكهنات برفع سعر الفائدة.
ضغوط متزايدة
يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن اليابان تواجه ضغوطاً متزايدة على اقتصادها نتيجة استمرار تراجع الصادرات لعدة أشهر متتالية، خاصة باتجاه السوق الأميركية، حيث برزت الانخفاضات بشكل واضح في قطاع السيارات. ويشير إلى أن هذا التراجع يرتبط بشكل أساسي بارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية التي أدت إلى تقليص الفائض التجاري الياباني مع واشنطن بشكل ملحوظ.
ويضيف أن هذه التطورات انعكست على الأداء الاقتصادي العام، إذ تأثر النمو بضعف الصادرات إلى جانب تراجع الاستهلاك المحلي، الأمر الذي دفع الشركات اليابانية إلى محاولة امتصاص الخسائر عبر خفض هوامش الأرباح والتكيف مع بيئة تجارية أكثر صعوبة.
ويؤكد أن الاقتصاد الياباني رغم التحديات لن ينهار، بل سيشهد تباطؤاً، موضحاً أن عوامل الصمود ما زالت قائمة، وفي مقدمتها تنويع الأسواق باتجاه أوروبا وآسيا، والاستثمار المتزايد في الصناعات عالية التقنية، إضافة إلى قدرة الشركات الكبرى على إعادة توزيع الإنتاج على مستوى عالمي.
ويختم الخفاجي بالقول إن الاقتصاد الياباني قادر على الصمود النسبي، لكن بثمن يتمثل في تباطؤ النمو وتراجع أرباح الشركات، خاصة المتوسطة والصغيرة، مع زيادة اعتماد الحكومة على السياسات الداعمة للحفاظ على التوازن الاقتصادي.