جدار الفصل عند حي الطور في القدس المحتلة، 22 يناير 2025 (أحمد غرابلي/فرانس برس)
في خطوة جديدة نحو فرض مشروعها الاستيطاني المسمى E1 وشق ما يسمى طريق “نسيج الحياة” الاستيطاني، وزّعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خلال الأيام الماضية، أكثر من 40 إخطاراً بالهدم والإخلاء والاستيلاء على أراضٍ وممتلكات ومحلّات تجارية في بلدة العيزرية، شرقي القدس المحتلّة، حيث تركّزت هذه الإخطارات في مناطق جبل البابا، المشتل، وادي جمل، وادي الحوض.
ومن شأن شق الشارع الاستيطاني، الذي يُعرف إسرائيلياً باسم “نسيج الحياة”، أن يقطع سبل الحياة عن العيزرية التي سيحول المخطط دون توسّعها متراً واحداً على الأرض، لينتقل التوسع فيها إلى الشكل العمودي. وينسجم هذا الشارع مع مخططات E1 الاستيطاني الذي تحدث عنه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش. وتطاول الإخطارات ممتلكات نحو مئة عائلة، بما فيها منشآت تجارية، كمصانع الباطون وأراضٍ وممتلكات خاصة، ما يعني أنّهم باتوا في المستقبل القريب معرّضين للطرد وسلب ممتلكاتهم، خاصة بعد أن نشرت سلطات الاحتلال خريطة عليها 143 علامة حمراء تشير إلى المناطق المستهدفة.
وتقول مديرة وحدة التخطيط والمشاريع في بلدية العيزرية، أماني أبو زيّاد، في حديث مع “العربي الجديد”: “ما وصل فعلياً إلى الأهالي حتى اللحظة قرابة 40 إخطاراً، وصل منها 13 إخطاراً من المتضررين إلى البلدية لمتابعة القضية بالشكل القانوني”. وتشير أبو زيّاد إلى أنّ هذه الإخطارات تنقسم إلى نوعين؛ أولهما يتيح فرصة للاعتراض خلال 60 يوماً (رغم علم البلدية بعدم جدوى الاعتراض القانوني)، وثانيهما يتضمن أوامر بالهدم أو الإخلاء خلال 14 يوماً فقط.
وتوضح أبو زيّاد أنّ البلدية تعمل على إعداد تقرير مفصّل حول الموضوع، عبر التواصل مع المواطنين وحصر جميع الإخطارات وتصنيفها من حيث الشكل والنوع. أما من حيث المساحات، فتوضح أنّ المخطط الهيكلي لبلدية العيزرية يبلغ 3600 دونم، وكانت البلدية قد طالبت سابقاً بتوسيعه عبر إضافة 2400 دونم جديدة لتلبية التمدد السكاني، غير أنّ الاحتلال أدرج المساحة الأخيرة ضمن الإخطارات، فضلاً عن 600 دونم أخرى من أراضي المخطط الهيكلي للبلدية، وهو ما يعني أنّ البلدة انتقلت من فرصة التوسع إلى واقع التقليص.
وتلفت أبو زيّاد إلى أنّ المساحة الطبيعية الكاملة لأراضي العيزرية تبلغ 11 ألفاً و179 دونماً، إلا أنّ ما تبقى فعلياً لا يتجاوز ثلاثة آلاف دونم فقط، بعدما استولى الاحتلال سابقاً على مساحات واسعة عبر بناء جدار الضم والفصل العنصري ومستوطنة “معاليه أدوميم” المقامة على أراضي البلدة، أو عبر منع الأهالي من الوصول إلى أراضٍ مصنفة “ج” وفق اتفاقية أوسلو. وبناءً على ما ذكر، تصبح العيزرية بكاملها في دائرة الخطر، إذ إنّ 1200 دونم من المخطط الهيكلي للبلدة مصنفة “ج” وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، فيما تبلغ مساحة التصنيف “ب”، وفق اتفاقية أوسلو، 2400 دونم تحت سيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، بينما لا توجد أي مناطق مصنفة “أ” خاضعة للسيادة الفلسطينية.
وتوضح أبو زيّاد أنّ هذا الواقع يكشف خطورة المرحلة، خاصة بعد شروع الاحتلال بالفعل بتنفيذ إجراءات استيطانية في مناطق “ب”، من خلال الاستيلاء والهدم بمناطق أخرى بالضفة، وتؤكد أبو زيّاد أنّ توزيع هذه الإخطارات يمهّد لعزل العيزرية بالكامل، إذ سيُمنع أي توسع مستقبلي للبلدة، وسيقتصر البناء على الأحياء الداخلية، بعدما صودرت مناطق الامتداد الواقعة في شمال البلدة.
وتشير أبو زيّاد إلى أنّ هذه السياسة تخدم مخططين استيطانيين رئيسيين: مشروع “E1” الذي يربط المستوطنات شرقي القدس، ومشروع شارع “نسيج الحياة”، وهو نفق تحت الأرض مخصص للفلسطينيين فقط، يبدأ من جنوب العيزرية، ويمتد حتى شمال بلدة الزعيّم القريبة، بحيث يُمنع الفلسطينيون من المرور فوق سطح الأرض، ما يفتح المجال أمام التوسع الاستيطاني على حساب أراضي البلدة.
وتحذر أبو زيّاد من خطورة ما يتعرض له جبل البابا، الذي شملته الإخطارات، وتحديداً الحديقة الوحيدة في المنطقة والمقامة في “رأس العيازرة”، التي تُعد المتنفس الأساسي للسكان وتضم تجمعات بدوية. وتوضح أبو زيّاد أنّ هذه الحديقة تحمل رمزية خاصة، إذ إنّ المملكة الأردنية أهدت عام 1964 قطعة أرض مساحتها 36 دونماً من الجبل إلى بابا الفاتيكان بولس السادس خلال زيارته الأولى للقدس، تقديراً لجهوده آنذاك، ولاحقاً سُمح للبدو بإنشاء الحديقة فيها. واليوم، يلاحق الاستيطان الحديقة وسكان المنطقة على حد سواء. وتحذر أبو زيّاد: “الخطر لم يعد نظرياً”، مشيرة إلى أنّ جزءاً من الإخطارات التي وُزعت، قبل نحو أسبوع، سيدخل حيّز التنفيذ خلال الأيام القليلة المقبلة، ما يجعل بلدة العيزرية مقبلة على مرحلة تهجير ومصادرة واسعة تهدد حاضرها ومستقبلها.
وتبرز خطورة المشروع الاستيطاني الجاري تنفيذه في “كونه يوسّع حدود مدينة القدس المحتلة، بحيث يجعلها تمتد لتغطي ما يقارب 10% من مساحة الضفة الغربية، ويعني ذلك عملياً تضخيم مساحة المدينة التي تعد العاصمة الكبرى في دولة الاحتلال، في إطار خطة تهويد واسعة تهدف لترسيخ السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها”، بحسب ما يقول رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي في حديث مع “العربي الجديد”.
أما على صعيد التركيبة السكانية، فيشير الهدمي إلى أنّ المخطط يقضم أراضي بلدة العيزرية، ويعزز من توسع نفوذ مستوطنة “معاليه أدوميم”، بما يعني ضمها فعلياً إلى القدس. ويؤدي ذلك إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي في المنطقة لصالح المستوطنين، إلى جانب مشاريع مرافقة مثل فصل كفر عقب ومخيم شعفاط عن القدس بشكل كامل ووضعهما خارج حدودها الإدارية.
ويقول الهدمي: “تتجلى خطورة المشروع أيضاً في بعده الإحلالي، إذ يهدف إلى استبدال الوجود الفلسطيني بالوجود الاستيطاني اليهودي، فالمخططات الاستيطانية الموضوعة في القدس تسعى لتغيير ملامح حياة المقدسيين وطمس هويتهم، عبر سياسات تضييق وهدم تدفع نحو التهجير القسري، بما يرسّخ واقعاً ديموغرافياً جديداً يخدم المستوطنين”.
ويرى الهدمي أن هذه المشاريع الاستيطانية تحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز فكرة “حل الدولتين”، إذ تجعل تطبيقه مستحيلاً، عبر تكريس السيطرة الإسرائيلية الكاملة على القدس بشطريها، وهو ما يكشف أن دولة الاحتلال لا تسعى إلى التعايش مع الفلسطينيين، بل تقوم على مبدأ “الترانسفير” والتهجير القسري، وصولاً إلى ضم كتل استيطانية كبرى مثل “معاليه أدوميم” و”جفعات زئيف” و”غوش عتصيون” ضمن المشروع المعروف بـ”E1″.